ويبقى كتاب ابن عباس يعطي المسلمين صورة واضحة عن مدى ما وصلت إليه الأمور من الشدّة ، والمشاعر من التوتر بالنسبة لأكثر الناس حكمة ، وأوفرهم علماً ، وأرجحهم عقلاً مثل ابن عباس ، فكيف بمن هو دونه من عامة الناس.
ويبقى ابن عباس في موقفه الرافض والناقم على بني أمية.
ولما هلك يزيد لعنه الله ورفض ابنه معاوية تولي الخلافة المغتصبة ، ووليها مروان بعد هياط ومياط (١) ومن بعده ابنه عبد الملك ، وكان ابن الزبير دعا الناس إلى بيعته ، وجرت بينه وبين الأمويين من حروب استحلوا فيها حرمة البيت الحرام ، وكان الطرفان يريد أن يكسب ابن عباس وابن الحنفية إلى جانبهما ليخادعوا الناس بذلك ، وقد مرّت في الحلقة الأولى (٢) بعض أخبار تلك المحنة التي أبتلي بها بنو هاشم ، وأشدّها إيلاماً ما كان من ابن الزبير من أخبار التحريق والحبس ممّا جعل عبد الملك يتودد إلى بني هاشم ، ويدعوهم إلى الوفود عليه.
ولقد مرّ بنا ذكر خروج محمّد بن الحنفية إلى الشام بدعوة من عبد الملك بن مروان. وأنّه لمّا وصل مدين وبلغه غدر عبد الملك بعمرو بن سعيد ندم على إتيانه وخافه ، فنزل أيلة ... وقد ذكر جمال الدين بن يوسف الشامي من أعلام القرن السابع في كتابه ( الدر النظيم ) صورة كتاب من ابن عباس
____________
١ ـ تماطوا : فسد ما بينهم وتباعدوا ، وهم في هياط ومياط بكسرهما دنوّ وتباعد ( القاموس ( هيط ).
٢ ـ موسوعة عبد الله بن عباس الحلقة١ ج٤ / ٢٦٩.