الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً )(١) والسلام ) (٢).
وهذا جواب فيه تقريع وزراية ، وفيه إهانة وإستهانة نافت على الغاية. وأيّ غايةٍ بعد قوله : ( فلا أبقى الله عليك إن أبقيت ، ولا أرعى إليك إن أرعيت )؟
ولعلّ ابن عباس إنّما أجابه على كتابه لأنّه كان يقول : ( إنّي لأرى ردّ جواب الكتاب حقاً عليَّ كردّ السلام ) (٣) ، ولئلا يظن به الجبن والإنهزامية أمام تهديد ووعيد ابن الزبير ، وهو هو لا يزال في صلابة موقفه المتماسك ، وقوة شخصيته المتعالية.
وقد روى البلاذري في أنسابه خبر ذلك بسنده عن أبي مخنف بتفاوت يسير ، قال :
( لمّا نزل ابن عباس الطائف حين نافره ابن الزبير ، كان صلحاء الطائف يجتمعون إليه ، ويأتيه أبناء السبيل يسألونه ويستفتونه ، فكان يتكلم في كلّ يوم بكلام لا يدعه وهو :
الحمد لله الذي هدانا للإسلام ، وعلّمنا القرآن ، وأكرمنا بمحمّد عليهالسلام ، فانتاشلنا به من الهلكة ، وأنقذنا به من الضلالة ، فأفضل الأئمة أحسنها لسنّته إتّباعاً ، وأعلمهم بما في كتاب الله إحتساباً ، وقد عمل بكتاب الله ربّكم وسنّة نبيّكم قوم صالحون ، على الله جزاؤهم ، وهلكوا فلم يدعوا بعدهم أمثالهم ،
____________
١ ـ الكهف / ١٠٤.
٢ ـ شرح نهج البلاغة ٢٠ / ١٢٥ ، ونثر الدر ٣ / ١٤٣ ـ ١٢٤.
٣ ـ الطبقات الكبري لابن سعد / ١٦٦ تحـ السُلمي.