ولا موازياً لهم ، وبقي قوم يريغون الدنيا بعمل الآخرة ، يلبسون جلود الضأن لتحسبوهم من الزاهدين ، يرضونكم بظاهرهم ، ويسخطون الله بسرائرهم ، إذا عاهدوا لم يوفوا ، وإذا حكموا لم يعدلوا ، يرون الغدر حزماً ، ونقض العهد مكيدة ، ويمنعون الحقوق أهلها ، فنسأل الله أن يهلك شرار هذه الأمّة ويولّي أمورَها خيارَها.
فبلغ ذلك ابن الزبير فكتب إليه : إنّك تجلس العصرين فتفتي بالجهل ، وتعيب أهل البرّ والفضل ، وأظنّ حلمي عنك واستدامتي إياك جرّءاك عليَّ ، فأكفف عنّي من غربك ، وأربع على ظلعك ، وأربح على نفسك.
فكتب إليه ابن عباس : فهمت كتابك ، وإنّما يفتي بالجهل من لم يؤت من العلم شيئاً ، وقد أتاني الله منه ما لم يؤته إياك ، وزعمت أنّ حلمك عنّي جرأني عليك ، فهذه أحاديث الضبع أستها ، متى كنت لعرامك هائباً ، وعن حدّك ناكلاً.
ثمّ تقول : إنّي إن لم أنته وجدت جانبك خشناً ، ووجدتك إلى مكروهي عجلاً ، فما أكثر ما طرت إليَّ بشقّة من الجهل ، وتعهدتني بفاقرة من المكروه ، فلم تضرر إلاّ نفسك ، فلا أبقى الله عليك إن أبقيت ، ولا أرعى إن رعيت ، فوالله لا انتهيت عن ارضاء الله بإسخاطك ) (١).
____________
١ ـ أنساب الأشراف ( في ترجمة ابن عباس ) نسخة بخط يدي.