كيفية مجيء الروح من ذلك المقام العقلي من غير لزوم حركة وتجسم ، يمكنه أن يعلم ذهابه إلى ذلك العالم من غير زيادة مكان أو تغيّر أو تكثر هناك. وقيل له : ( أين تذهب الجسوم إذا بليت؟ قال : أين يذهب لحمها إذا مرضت؟ ) (١) ، انتهى.
أمّا الحكيم الآخر الملا هادي السبزواري صاحب ( المنظومة في الحكمة ) ( ت ١٢٨٩ هـ ) فقد علّق على ما مرّ بقوله : ( لمّا كان ابن عباس جليل القدر ، عظيم الشأن ، ومن أعاظم تلامذة مولى العارفين أمير المؤمنين عليهالسلام ، وكان ظاهر كلامه فناء الأراواح عند بوار الأشباح وتلاشي الروح البخاري ، ونفاذ الدم الذي في الجوف الأيمن من القلب الذي مثلوه بالزيت ، فكما لا يبقى لضوء المصباح عند فناء الأدهان ، كذلك لا بقاء للروح عند نفاد أدهان الروح البخاري والدم القلبي ، أشار قدسسره ـ يعنى الملا صدرا ـ إلى أنّ من الواضحات أن ليس مراده رضياللهعنه ـ ابن عباس ـ ذلك ، بل مراده إذا فرض مصباح أصل ثابت ومصابيح فروع ، وفرض إطفاؤها دون الأصل ، فأين تذهب تلك الفروع ، ومعلوم أنّها ترجع إلى المصباح الأصل ، فهكذا الأرواح التي هي تجليات روح القدس ولا سيّما الأرواح التي صارت بالفعل ترجع عند دثور الأبدان إلى روح القدس المسمّى بلسان المشّائين بالعقل الفعّال الذي هو مكمّل النفوس ، فالمراد بالمصباح في كلامه المصباح الأصل ، وبالضوء المصابيح المشتعلة منه ، ولو مثل بمصباح أصل محفوظ ، ومصابيح عكسية منه في مرآئي ـ أي مرايا ـ متعددة ، وفرض دثور المرائي ، بل تبدّلها بمرآئي
____________
١ ـ الحكمة المتعالية / ٢٧٦ ، الأسفار ط دار إحياء التراث العربي.