وامنائه ، لعدم كون بيان ما يرجع إلى امور المعاش من وظيفته.
ولو قيل في الامور العادية بالمعنى المذكور ما هو من قبيل موضوعات الأحكام الشرعيّة ، ككون هذا خمرا أو خلاّ أو ماء ميتة أو خزا أو جلد ما لا يؤكل لحمه وما أشبه ذلك ، ويقبل فيها الواحد ويحرز به الموضوع ، فيترتّب عليه الأحكام الشرعيّة المترتّبة على كلّيّات هذه الموضوعات ، ولا ريب أن التقرير في مثل ذلك يكشف عن الرضا.
قلنا لو سلّم استقرار طريقة العقلاء على قبول الواحد في مثل ذلك أيضا ، نقول : بأنّ قصارى ما يستلزمه إنّما هو حجّيّة خبر الواحد في الموضوعات الخارجيّة ، ولا ملازمة بينها وبين الحجّيّة في الروايات المصطلحة في الأحكام الشرعيّة الكلّيّة الالهيّة ، ولو اريد من الامور العادية ما يعمّ الأحكام الشرعيّة فهو مع بعده غير معلوم ، إذ لم يظهر من العقلاء استقرار طريقة بما ذكر في الأحكام الشرعيّة ، إلاّ أن يراد بالعقلاء خصوص المسلمين ، فيرجع التقرير المذكور إلى الوجه السابق ، وهو استقرار سيرة المسلمين.
وقد يورد عليه أيضا : بأنّه يكفي في ردعهم الآيات المتكاثرة ، والأخبار المتظافرة بل المتواترة ، على حرمة العمل بما وراء العلم.
وفيه : أنّ وجود الأدلّة الناهية عن العمل بما وراء العلم ، لا يسقط الردع عن الباطل ، كما أنّ وجود أدلّة الأحكام الواقعيّة لا يسقط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في موارد وجوده ، والردع عن الباطل المحرّم إنّما يجب في موارد التقرير على المعصوم نبيّا كان أو وصيّا ، لوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمعنى الأعمّ عليه ، وهو إرشاد الجاهل وتنبيه الغافل ، وردع العاصي عن معصيته من ترك واجب أو فعل محرّم مع العلم بالوجوب والحرمة ، بدليل وجوب اللطف وقوله تعالى : ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ )(١) ، ولئن سلّمنا كون اللطف هنا مع وجود الأدلّة الناهية من اللطف المندوب فلا يجري دليل اللطف ، فهو لا ينافي جريان الآية خصوصا أنّ العاملين بخبر الثقة إنّما يعملون به باعتقاد الجواز ، وردعهم عن معتقدهم على تقدير عدم الجواز واجب عليه ، ومجرّد وجود العمومات الناهية عن العمل بما وراء العلم لا يوجب ارتداعهم ، ولا يكفي في الردع إذ لا يلزم طرحها ، فليتدبّر.
وخامسها : إجماع الصحابة على العمل بخبر الواحد من غير نكير ، كما عن العلاّمة في
__________________
(١) سورة آل عمران : ١٠٤.