ومحلّ البحث هو الخبر المظنون صدق نفسه وإن لم يظنّ صدق مضمونه ، ومورد الدليل هو الخبر المظنون صدق مضمونه وإن لم يظنّ صدق نفسه.
وأمّا ثالثا : فلأنّ الدليل لا ينتج وجوب العمل بأخبار الآحاد الغير العلميّة بالمعنى المتنازع فيه ، لأنّه يقتضي وجوب العمل بالأخبار المظنون صدورها بالوجوب الغيري ، من جهة [ كونه ] مقدّمة للتوصّل إلى العمل بالأخبار المعلوم صدورها بالإجمال ، ولم يفد وجوب العمل بالأخبار المظنون صدورها في حدّ أنفسها ، وإن لم يلاحظ فيها جهة المقدّميّة كما هو محلّ البحث ، ويظهر أثر هذا الكلام في الأخبار المظنون صدورها لو فرضت خارجة عن طرف العلم الإجمالي ، فلم يعلم بذلك الدليل حالها من حيث وجوب العمل بها ، ولا جواز العمل بها حتّى تكون مخرجة عن أصالة حرمة العمل بما وراء العلم.
وأمّا رابعا : فلأنّ مرجع هذا الدليل إلى إثبات وجوب العمل بأخبار الآحاد ، من جهة قاعدة الاشتغال عملا بموجب العلم الإجمالى المقتضي لوجوب الخروج عن عهدة المعلومات بالإجمال ، وتحصيل اليقين بالبراءة عنها ، فلا ينهض مخصّصا للعمومات الناهية عن العمل بما وراء العلم ، كما هو المقصود بالبحث.
وثانيها : ما ذكره الفاضل التوني في الوافية ـ في جملة الوجوه الّتي استدلّ بها على حجّيّة الخبر الموجود في الكتب المعتمدة للشيعة ، كالكتب الأربعة مع عمل جمع به من غير ردّ ظاهر ـ من « أنّا نقطع ببقاء التكليف إلى يوم القيامة ، ولا سيّما بالاصول الضروريّة ، كالصلاة والزكاة والصوم والحجّ والمتاجر والأنكحة ، ونحوها ، مع أنّ جلّ أجزائها وشرائطها وموانعها إنّما يثبت بالخبر الغير القطعي ، بحيث يقطع بخروج حقائق هذه الامور عن كونها هذه الامور عند ترك العمل بخبر الواحد ، ومن أنكر فإنّما ينكره باللسان وقلبه مطمئنّ بالإيمان » (١).
وأورد عليه أوّلا : بأنّ العلم الإجمالي حاصل بوجود الأجزاء والشرائط بين جميع الأخبار ، لا خصوص الأخبار المشروطة بما ذكره ، ومجرّد وجود العلم الإجمالي في تلك الطائفة الخاصّة لا يوجب خروج غيرها عن أطراف العلم الإجمالي ـ كما عرفت في الجواب الأوّل عن الوجه الأوّل (٢) ـ وإلاّ أمكن (٣) إخراج بعض هذه الطائفة الخاصّة ودعوى العلم
__________________
(١) الوافية : ١٥٩.
(٢) راجع الصفحة : ٢٦٩.
(٣) وفى النسخ المتداولة من الفرائد هكذا : « والاّ لما أمكن » الخ ، والصواب هو ما في المتن كما يعطيه التدبّر فى السياق.