وأمّا قاعدة الاشتغال ، فلأنّ مجراها كلّ ظنّ محتمل الوجوب ، وهذا مقطوع الحرمة.
وأمّا الإغراء بالجهل ، والتكليف بما لا يطاق على ما اعتمدنا عليه في التعميم فلوضوح عدم كونه من الجملة المعيّنة عند الشارع المجهولة عندنا ، حتّى يلزم من وجوب الاقتصار عليه الإغراء [ بالجهل ] والتكليف بما لا يطاق.
وقيل على تقدير كون مقدّمات دليل الانسداد موجبة لحكومة العقل المفروض كونها مطلقة ، يشكل توجيه خروج القياس وأمثاله ممّا يقطع بعدم اعتباره وحرمة العمل به من الظنون ، لئلاّ يلزم منه التخصيص في الدليل العقلي المؤدّي إلى التناقض ، حتّى أنّ المتعرّضين لدفع هذا الإشكال والجواب عن ذلك السؤال ذكروا في توجيهه وجوها :
منها : ما ذكره القمّي رحمهالله من منع حرمة العمل بالقياس في أمثال زماننا ، لأنّ دليله إن كان الأخبار (١) الناهية عن العمل به ، فهي مسوقة لردّ العامّة حيث خالفوا أئمّتنا ، وأعرضوا عن أهل الذكر الّذين أمر الله بسؤالهم ، وتركوا الثقلين بتركهم الثقل الأصغر الّذي عنده علم الثقل الأكبر ، فاتّبعوا آرائهم وركنوا إلى أقيستهم فضلّوا أو أضلّوا ، وإلى ذلك أشار النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في جملة حديث بقوله : « برهة يعملون بالقياس » (٢) وكذلك مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام بقوله : « أنّ قوما اعيتهم الأحاديث أن يحفظوها وأعوزتهم النصوص من أن يعوها (٣) فتمسّكوا بآرائهم (٤) » الحديث.
فلا تشملنا لعدم مخالفتنا الأئمّة وإعراضنا عن أهل الذكر وتركنا الثقلين ، وإن كان الإجماع والضرورة عند علماء المذهب كما ادّعي ، فقيامهما في كلّ زمان محلّ المنع ، كيف فأيّ إجماع دلّ وأيّ ضرورة قضت بحرمة العمل بما يظنّ من جهة القياس لو فرض انسداد باب الظنّ أيضا ، وانحصار طرقه في القياس لعامّة المكلّفين ، أو لمكلّف خاصّ باعتبار بعده عن بلاد الإسلام (٥).
وفيه : أنّ منع شمول الأخبار لأمثال زماننا خلاف الإنصاف ، كيف وأنّ أكثرها مطلقة إطلاقا شاملا لجميع الأزمان ، وجملة منها معلّلة بعلل لا يعقل فيها الفرق فيها بين الأزمان ،
__________________
(١) الوسائل ٢٧ : ٣٨ / ٢ و ٣ و ٤ و ١٠ و ١١ و ١٥ و ١٨ و ٢٠ ، ب ٦ من أبواب صفات القاضي.
(٢) بحار الأنوار ٢ : ٣٠٨ / ٦٨.
(٣) وعى يعي من الاستماع وجمعه يعوا.
(٤) بحار الأنوار ٢ : ٨٤ / ٩ والمستدرك ١٧ : ٣٠٨ / ٦.
(٥) قوانين الاصول ١ : ٤٤٩.