وعن العلاّمة في النهاية دفعه : « بمنع استناد الإجماع إلى فعله عليهالسلام بل إلى قوله : إذا التقى الختانان وجب الغسل ، وسؤال عمر عائشة إنّما كان ليعلم أنّ فعله عليهالسلام هل كان مطابقا لأمره صلىاللهعليهوآله أم لا؟ » وفيه من البعد ما لا يخفى.
ولكنّ الإجماع المتمسّك به على وجوب التأسّي به صلىاللهعليهوآله يزيّفه أنّه لا يكشف عن وجوب التأسّي ، ولا عن ثبوت حكم في حقّ الامّة بنفس فعله صلىاللهعليهوآله فيما لم يثبت حكمه من غير جهة فعله ، لجواز بنائه على مقدّمة خارجيّة ثابتة عندهم على وجه الكبرى الكلّيّة بدليلها من قوله صلىاللهعليهوآله ، وهي أصالة المشاركة في الأحكام والتكاليف ، ورجوعهم إلى أفعاله صلىاللهعليهوآله إنّما هو لإحراز الوجه الّذي هو الحكم المشترك فيه ، إلاّ أن يقال : بأنّ المراد من إثبات حكم في حقّ الامّة بفعله صلىاللهعليهوآله تعيين الحكم المشترك بينه وبين الامّة ، وهو المراد من التأسّي أيضا بناءا على أنّه عبارة عن الإتيان بما فعله على الوجه الّذي فعله.
ومنها : قوله عزّ من قائل : ( لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ )(١) استدلّ به العلاّمة وغيره ، قال في التهذيب : « الاسوة الإتيان بفعل الغير لأنّه فعله ، وقوله : ( لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ ) تخويف على الترك » (٢).
أقول : كونه تخويفا إنّما هو باعتبار عكس نقيض قضيّة الآية ، فإنّ قوله : ( لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ) ينعكس بأنّ من لم يكن يرجو الله واليوم الآخر ليس له في رسول الله اسوة حسنة ، وهذا تخويف على ترك الاسوة ، وظاهر أنّ التخويف على ترك الشيء دليل على وجوبه.
والإنصاف : أنّ الاستدلال بالآية أيضا غير ناهض ، أمّا أوّلا : فلمنع دلالتها على الوجوب بل أقصاها الدلالة على الجواز أو مطلق الرجحان ، وإنّما تحصل الدلالة على الوجوب لو قال مكان « لكم عليكم » لكون « على » للإلزام ، وغاية ما ينساق من « اللام » الجواز ، ودعوى : أنّ الدلالة على الوجوب تحصل من قوله : ( لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ) لكونه تخويفا على الترك ، يدفعها : منع كون ذلك تخويفا على الترك بل هو ترغيب على الفعل ، والتخويف على الترك يحصل من « لفظ يخاف الله واليوم الآخر ».
والفرق بينه وبين ما في الآية ، أنّ الخوف حيث يضاف إلى الله تعالى أو إلى اليوم الآخر ينصرف إلى عذاب الله وعذاب اليوم الآخر فيكون تخويفا ، والرجاء حيث يضاف إليهما
__________________
(١) سورة الأحزاب : ٢١.
(٢) تهذيب الاصول : ٥٤.