ينصرف إلى ثوابه تعالى وثواب اليوم الآخر.
فحاصل معنى قوله : ( لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ) : لمن كان يبتغي ثواب الله ويبتغي ثواب اليوم الآخر ، وهذا كما ترى ترغيب على فعل الاسوة ، وأقصى ما يفيده الترغيب على فعلها رجحانه لا وجوبه.
وأمّا ثانيا : فلمنع كون المراد من الاسوة في رسول الله التأسّي به فيما يفعله ، لجواز كون المراد بها الشركة ، كما في قولهم : « المال اسوة بين الغرماء » أي شركة بينهم يتساهمون فيه بأن يأخذ كلّ منه سهما على نسبة دينه ، ومن الجائز كون المراد منها في الآية الشركة بين النبيّ والامّة في الأحكام والشرائع ، فتكون الآية حينئذ من أدلّة المشاركة في التكليف من دون تعلّق لها بمقام التأسّي به في فعله ، ويحتمل أيضا أن تكون الاسوة هنا من المواساة ، فيكون مفاد الآية إيجابا لمواساة الامّة بينهم بأموالهم وأنفسهم بأن يعينوه بهما في حروبه وجهاده مع الكفّار والمشركين.
وأمّا ثالثا : فلمنع عموم للآية بحيث يثبت به الحكم على وجه الإيجاب الكلّي ، أعني وجوب التأسّي برسول الله في كلّ ما فعله ، كما هو المقصود بالبحث في المسألة الاصوليّة ، حيث يقصد فيها تأسيس قاعدة كلّيّة في فعل المعصوم ، إذ ليس في الآية إلاّ لفظ « اسوة » وهي نكرة في سياق الإثبات ولا عموم فيها ، فقصارى ما يعطيه الآية هو وجوب التأسّي به في الجملة ، ويكفي في صدق هذه القضيّة الجزئيّة في حقّ المخاطبين بها تأسّيهم برسول الله في ما يرجع إلى الاصول ، كالإيمان بالله وتوحيده وصفاته الكماليّة ، أو فيما يرجع إلى الفروع كالصلاة والصوم والحجّ مثلا.
وأمّا رابعا : فلأنّ ما يستفاد منها من وجوب التأسّي به فيما يفعله إنّما يصحّ فيما علم كون وجهه الوجوب ، لا فيما علم كون وجهه الاستحباب أو الإباحة ، لمنافاة وجوب الإتيان لكلّ من الاستحباب والإباحة فيما فعله مندوبا أو مباحا ، إلاّ أن يقال : بأنّ الحكم يرجع إلى القيد الأخير من مفهوم الاسوة وهو الاتيان بفعله على الوجه الّذي فعله ، فوجوب الإتيان بالمندوب على وجه الندب ، وبالمباح على وجه الإباحة لا ينافي استحباب الأوّل وإباحة الثاني ، فإنّ الإتيان بالمندوب على وجه الوجوب وبالمباح أيضا على وجه الوجوب حرام ، وقضيّة حرمة ذلك وجوب الإتيان [ بالأوّل ] على وجه. [ الندب ] وبالثاني على وجه الإباحة.