وإنّما يحصل المنافاة لو قلنا بوجوب الإتيان بكلّ منهما في مقابلة تركه ، لأنّ الاستحباب يتضمّن جواز كلّ من الفعل والترك مع رجحان الفعل ، والإباحة تتضمّن جواز كلّ منهما على وجه التسوية.
وأمّا على تقدير اختيار الفعل ، فإذا دار الأمر بين الإتيان على وجه الوجوب والإتيان على وجه الندب أو الإباحة ، فلا ريب في حرمة الأوّل وتعيّن الثاني من دون تناف بينه وبين استحبابه وإباحته.
وأمّا خامسا : فلخروج موضوع المسألة عن مورد الآية ، فإنّه إذا علم وجه الفعل وعلم عدم كونه من خصائصه ، فاللازم من المقدّمتين ثبوت المشاركة ، ويستغني بذلك عن النظر في الآية والاستدلال بها على وجوب في نحوه أو إثبات حكم في حقّ الامّة بفعله ، إلاّ أن يقال : إنّ المشاركة في التكاليف والأحكام بينه وبين الامّة إنّما تثبت بدليلها ، ومن الجائز تعدّد الأدلّة عليها ، والآية الدالّة على وجوب التأسّي به فيما فعله واجبا أو مندوبا أو مباحا من جملة أدلّتها ، فتأمّل.
فالعمدة من الأجوبة الوجوه الثلاث الاول والعمدة منها الوجه الأوّل ، فليتدبّر.
ومنها : قوله تعالى : ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ )(١) فإنّ الأمر مشترك بين الفعل والقول ، وهو الطلب الإلزامي الحاصل بالقول ، والتهديد يفيد حرمة مخالفة الرسول فيما يفعله وما يأمر به ، فيدلّ على وجوب التأسّي به في فعله.
واجيب : بمنع الاشتراك ، ولو سلّم فالمشترك لا يحمل على أحد معنييه بعينه إلاّ لقرينة ، ولا قرينة [ على ] الفعل ، وبني الاستدلال على ظهور المشترك عند التجرّد عن القرينة في إرادة جميع معانيه ، فهو قول ضعيف لا يلتفت إليه ، مع أنّ استعمال المشترك في أكثر من معنى غير جائز.
وقد يجاب : بمنع التجرّد لوجود القرينة على إرادة القول ، وهو سبق ذكر الدعاء في قوله تعالى : ( لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً )(٢) والدعاء لا يكون إلاّ بالقول ، ذكره في المنية (٣) والمناهج (٤) ، وفيه نظر : إذ ليس المراد بالدعاء دعوة الرسول لينهض قرينة على إرادة القول من الأمر.
__________________
(١) سورة النور : ٦٣.
(٢) سورة النور : ٦٣.
(٣) منية اللبيب : ٢١٥.
(٤) مناهج الاصول.