وعلى الاحتمال المشهور الّذي التفت إليه القوم فقد يذكر للحكم في جانب موضوع القضيّة احتمالان كون المراد من حكم العقل ما يكون فعليّا أو ما يكون شأنيّا ، فمعنى ما حكم به العقل إمّا ما حكم به فعلا أو ما حكم به شأنا ، وللحكم في جانب محمولها احتمالات ثلاث :
أحدها : حكم الشرع بمثل حكم العقل ، على معنى حكمه بما يكون مطابقا لحكم العقل وإن تغاير بكون الأوّل إرشاديّا والثاني مولويّا ، واللازم من هذا الاحتمال تعدّد كلّ من الحاكم والحكم.
وثانيها : أنّ ما حكم به العقل من وجوب أو حرمة فقد أمضاه الشرع وأجازه ، بأن يراد من حكم الشرع إمضاؤه بحكم العقل وتصديقه إيّاه فيه ، واللازم من ذلك تعدّد الحاكم دون الحكم.
وثالثها : أنّ حكم العقل بعينه هو حكم الشرع ، على معنى أنّه حكم الشرع بيّنه تعالى بلسان العقل ، ولازمه وحدة كلّ من الحاكم والحكم.
فالوجوه المحتملة في المقام ستّة ، وهذا بعد ما عرفت من أنّ حكم العقل في مسألة التحسين والتقبيح ليس إلاّ حكمه بالحسن والقبح ليس بسديد ، والقضيّة لا تتحمّل شيئا من الوجوه المذكورة.
نعم كان لها وجه لو كان ما حكم به العقل هو الوجوب والحرمة وغيرهما من الأحكام ، غير أنّه على ما عرفت خلاف الفرض ، لوضوح أنّ الكلام في الملازمة إنّما هو بعد الفراغ عن النزاع مع الأشاعرة الواقع في حكم العقل بالحسن والقبح بالمعنى المتضمّن لاستحقاق المدح والذمّ لا غير.
ثمّ إنّه قد سبق إلى بعض الأوهام جريان النزاع في الملازمة في الاستلزامات العقليّة الّتي يحكم فيها العقل بملاحظة خطاب الشرع كوجوب مقدّمة الواجب وحرمة ضدّ المأمور به وغيرهما أيضا ، وهذا في النظر الدقيق على خلاف التحقيق إذ المبحوث عنه في باب الاستلزامات ليس إلاّ ملازمة شيء لحكم شرعي ، كالملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدّماته ، وبينه وبين حرمة ضدّه ، أو الملازمة بين مقدّمية الشيء للواجب ووجوبه ، وبين ضدّية شيء للمأمور به وحرمته ، فإذا حكم العقل بتلك الملازمة ـ ولو من باب دلالة الإشارة ـ فلم يعقل ملازمة اخرى يكون أحد طرفيها الحكم الشرعي لينازع فيها ، وأيضا فإنّ المقصود بالبحث عن الملازمة هاهنا إثباتها ليثمر في التوصّل إلى الحكم