لكونه كاشفا عن الحكم ودليلا عليه وليس بحكم حقيقة وإن أطلق عليه اسم « الحكم » على ما صرّح به بعض المحقّقين.
وإن اريد الثاني فيمكن إثباتها أيضا بين حكم العقل والحكم الشرعي بمعنى المجعول الواقعي بل الطلب الفعلي أيضا بالعقل والنقل معا ، وأمّا إثباتها بينه وبين الجعل الشرعي بالعقل فيكفي فيه كون جعل الأحكام على طبق الجهات الواقعيّة الّتي منها الحسن والقبح المدركين بالعقل لطفا وكون اللطف واجبا على ما تقرّر في الكلام.
وأمّا إثباتها كذلك بالنقل فيكفي فيه ما ظهر من أحاديثنا من أنّه تعالى جعل لكلّ فعل حكما من الخمس المعروفة ، وأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بيّن حكم جميع الأفعال فحكم بوجوب كلّ ما فيه جهة مقتضية له وبحرمة ما فيه جهة مقتضية لها وهكذا ، وقد وصل إلينا بعض ذلك وبقي غيره محفوظا ومخزونا عند أهل البيت عليهمالسلام ولم يظهروه لمصلحة لا نعلمها بالخصوص.
وأمّا إثباتها بينه وبين الطلب الفعلي المتعلّق بالفعل والترك المعبّر عنه ب « الإيجاب » و « التحريم » بالعقل فيكفي فيه استقلال العقل بقبح الأمر بالقبيح والنهي عن الحسن ، وحسن الأمر بالحسن والنهي عن القبيح.
وأمّا إثباتها كذلك بالنقل فيكفي فيه ما ورد في الكتاب والسنّة من أنّه تعالى لا يأمر بالسوء والفحشاء والمنكر ، وإنّما يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر ، وقال عزّ من قائل : ( وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ )(١)( قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ )(٢) فإنّ « الفحشاء » القبائح و « القسط » العدل وقال أيضا : ( قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِ )(٣) وقال أيضا : ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ )(٤) إلى غير ذلك ممّا لا يحصى كثرة.
وأمّا المنكرون للملازمة فإنكارهم إمّا أن يرجع إلى تخطئة العقل في إدراكه الحسن والقبح ، على معنى جواز كون ما حسّنه قبيحا وما قبّحه حسنا في الواقع ، وإنّما حكم بالحسن في الأوّل والقبح في الثاني خطأ في إدراكه ومعه يستحيل كونه منشأ للحكم
__________________
(١) الأعراف : ٢٨.
(٢) الأعراف : ٢٩.
(٣) الأعراف : ٣٢.
(٤) الأعراف : ١٥٧.