الشرعي الواقعي ، أو يرجع إلى منع كون الحسن والقبح العقليّين من العلل التامّة للأحكام ، لجواز مصادفة حكمه بهما لفقد شرط أو وجود مانع ، كما يظهر من السيّد الفاضل في شرحه للوافية حيث قال ـ بعد تفسير القضيّة المشهورة بما تقدّم ـ : « بقي الكلام في أنّ ما يدركه عقولنا من الجهات هل هي علّة تامّة للأحكام؟ فنقول : لا شكّ أنّ بعض الأفعال يمكن أن يشتمل على جهة مقتضية لحكم لو لا معارضة جهة اخرى مقتضية لحكم مخالف لحكمها لها ، وقد يصير بعض الأزمنة أو الأمكنة أو اختلاف الأشخاص أو اختلاف حالات شخص واحد من أجزاء العلّة التامّة لثبوت الأحكام للأفعال ، فلو فرضنا أنّ عقلا أدرك في فعل فحكم بحسنه لا يجوز لنا أن نحكم بصدق حكمه ، لجواز غفلته عن معارضة جهة اخرى موجب للقبح مع رجحان الثانية على الاولى ، وهكذا حكم غفلته عن خصوصيّة الأزمنة والأمكنة وغيرهما.
نعم لو أحاط عقل بالعلّة التامّة فحكم باعتبارها بالحسن والقبح لقطعنا بحسن حكمه ، لأنّه حكم بوجود المعلول من جهة وجود علّته التامّة ، ولعلّ من الأحكام قلّما يكون كذلك ، إذ أكثرها ممّا لا سبيل للعقل إلى الإحاطة بجهاتها المقتضية لها ، فعلى هذا يمكن أن يكون شيء حسنا عند عقولنا وهو قبيح في الواقع وبالعكس ، وما هذا إلاّ لكون ما نظنّه علّة غير تامّة في الواقع لفقد شرط أو وجود مانع » انتهى.
ويندفع الأوّل : بأنّا نتكلّم على تقدير مطابقة حكم العقل للواقع ، وندّعي الملازمة فيما حكم العقل بحسنه أو قبحه على تقدير كونه كذلك في الواقع ، فالمسألة كبرويّة وما تقدّم على فرض تمامه كلام في الصغرى لا يوجب قدحا في الكبرى ، مع أنّ احتمال الخطأ في حكمه إنّما يجري في النظريّات الّتي ثبوت الحكم فيها منوط بإعمال مقدّمات نظريّة يكثر فيها الخلط والاشتباه ، وحكمه بالحسن والقبح في أكثر موارده منوط بسبب ضروري ، لما عرفت في تقرير الدليل عليه من أنّه بحكم العيان وضرورة الوجدان يدرك في بعض الأفعال كونه بحيث أوجب في فاعله استحقاق مدح العقلاء كالعدل والإحسان والصدق النافع ومجازاة المسيء بالإحسان ، وفي بعضها كونه بحيث أوجب في فاعله استحقاق ذمّ العقلاء كالظلم والعدوان والكذب الضارّ ومجازاة المحسن بالإساءة ، وتجويز الخطأ في نحو ذلك خطأ من مجوّزه ، خصوصا إذا كان مستند الحكم هو الوجدان ، مع أنّا نعلم بالبداهة كونه مصيبا في موارد حكمه كما في الأمثلة المذكورة ونظائرها.