عاجلة ولا مفسدة آجله.
أمّا الأوّل : فلأنّا نتكلّم على هذا التقدير.
وأمّا الثاني : فلأنّه لو كان فيها مفسدة آجلة لبيّنها الشارع لوجوب اللطف عليه تعالى ، والمفروض عدمه ، لأنّا نتكلّم قبل ورود الشرع فتكون مباحة (١).
وفيه ـ كما عن الشيخ ـ : أنّ اللطف إنّما يجب لو لم يكن مصلحة في تركه ولا مفسدة في فعله ، ومن الجائز أن يكون عدم تعرّض الشارع لبيان المفسدة الآجلة لقيام مصلحة في عدم البيان ومفسدة في البيان.
ومنها : ما تمسّك به العلاّمة في التهذيب (٢) من أنّها منفعة خالية عن أمارة المفسدة ولا ضرر على المالك بتناولها فوجب حسنه كالاستظلال بجدار الغير ، قال السيّد في المنية ـ فى توضيحه ـ أمّا أنّه منفعة فظاهر.
وأمّا خلوّه عن أمارات المفسدة فلأنّه إنّما نتكلّم على تقديره.
وأمّا أنّه لا ضرر فيه على المالك فبيّن أيضا.
وأمّا أنّه متى ما كان كذلك وجب القطع بحسنه فلأنّه يحسن منّا الاستظلال بجدار الغير عند كونه موصوفا بالصفات المذكورة ، فهو العلّة في الحسن لدورانه معها وجودا وعدما ، وهذه العلّة موجودة في محلّ النزاع فوجب القطع بحسنه ، لوجوب وجود الحكم عند تحقّق علّته (٣).
وفيه أوّلا : منع الحكم في الأصل ، فإنّه أيضا عن محلّ النزاع.
وثانيا : منع كون علّة الحكم فيه كونه موصوفا بالصفات المذكورة ، بل العلّة فيه إذن المالك المعلومة من ملاحظة مجاري العادات.
وثالثا : منع كون الصفات المذكورة علّة تامّة للحكم ، فلا يلزم من تحقّقها في الفرع ثبوت الحكم فيه أيضا لجواز وجود شرط للحكم في الأصل دون الفرع ، أو وجود مانع له في الفرع دون الأصل ، والدوران على ما تقرّر في محلّه لا يفيد العلّية التامّة.
ومنها : أنّ الحكم الشرعي كالوجوب والحرمة والندب والكراهة مشروط بالعلم والبيان ، وحيث لا علم ولا بيان فلا حكم قطعا ، ضرورة أنّ المشروط عدم عند عدم
__________________
(١) الذريعة إلى اصول الشريعة ٢ : ٨١١ ـ ٨٠٩ نقلا بالمعنى.
(٢) تهذيب الوصول إلى علم الاصول : ٥٥ ـ ٥٦.
(٣) منية اللبيب : ٢١ ـ ٢٢.