شرطه ، ومع انتفاء هذه الأحكام الأربع لا بدّ من الحكم بالإباحة وهو المطلوب.
وفيه أوّلا : منع كون الحكم الشرعي بمعنى الوجوب الواقعي والحرمة الواقعيّة والندب والكراهة الواقعيّين مشروطا بالعلم ، وإلاّ لزم الدور وتقدّم الشيء على نفسه ، لأنّ المشروط متأخّر طبعا عن الشرط ، كما أنّ العلم متأخّر طبعا عن متعلّقه ، فقضيّة كونه شرطا للأحكام المذكورة تقدّمه عليها ، وقضيّة تعلّقه بها تأخّره عنها وأنّه محال ، بل المشروط بالعلم إنّما هو التكليف الفعلي وهو صيرورة هذه الأحكام الواقعيّة بحيث يجب بناء العمل عليها ، وترتيب الآثار عليها وحينئذ فأقصى ما يلزم من انتفاء العلم والبيان إنّما هو انتفاء التكليف الفعلي وهو لا يلازم انتفاء هذه الأحكام بحسب الواقع فلم يثبت الإباحة الواقعيّة على ما هو المطلوب.
وثانيا : أنّ الإباحة إن اريد بها مجرّد عدم الحرج في الفعل فالملازمة مسلّمة ، غير أنّه غير مجدية ، لأنّها بهذا المعنى ليست إلاّ عين انتفاء الأحكام الأربع ، وهذا ليس من حكم العقل بالإباحة بالمعنى المتنازع فيه الّذي مرجعه إلى إدراك العقل للإباحة الشرعيّة ، وإن اريد بها الإباحة بالمعنى المصطلح الّذي هو خامس الأحكام التكليفيّة فالملازمة غير مسلّمة ، إذ الإباحة بهذا المعنى أيضا حكم شرعي فيتوقّف ثبوته على العلم
والبيان ، وحيث ليس فليس.
ومنها : ما عن بعض المتأخّرين من أنّه سبحانه إنّما خلق الأشياء لأن ينتفع بها العباد ، ولو لا كونها مباحة لما حصل ذلك الغرض ، فيكون فعله تعالى عبثا تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.
وضعفه غير خفيّ لمنع كلّية هذه الدعوى ، كما يفصح عنه ورود المنع في كثير من الأشياء ، ومنع الملازمة على تقدير تسليم الكلّية ، إذ لا يلزم من انتفاء منفعة التناول انتفاء مطلق المنفعة في خلقها ، لجواز أن يكون في نفس وجودها منافع لا يدركها العقول.
ومنها : ما قيل بأنّه العمدة من أدلّة هذا القول وأقواها وهو بناء العقلاء ، فإنّ بناءهم في جميع الأعصار والأمصار على تناول المنافع الخالية عن المضرّة من غير توقّف ، وهذا يكشف عن استقلال العقل بإباحتها.
واجيب : بأنّ القدر المسلّم المعلوم من بنائهم إنّما هو تناول المنافع حيث علموا بعدم مضرّة فيها أصلا ، وأمّا ما احتمل المضرة ظنّا أو وهما فبناؤهم غير ثابت على تناوله على معنى إطباقهم عليه ، ولا ينافيه تناول بعضهم لعدم مبالاة أو مسامحة أو نحوها ، لأنّه ليس من بناء العقلاء بالمعنى الكاشف عن الإباحة العقليّة.
واحتجّ الحاظرون بوجهين :