ولعلّ الحجّة الأبلغ على الكاتب المحرّف ، ما رواه إمامه ابن كثير في البداية والنهاية قال : « ولكن طلب منهم أحد أمرين : إمّا أن يرجع من حيث جاء ، وإمّا أن يدعوه يذهب في الأرض العريضة حتّى ينظر ما يصير أمر الناس إليه » (١).
بل إنّ الطبري ينقل عكس هذا الادعاء في تاريخه ، حيث ينقل رفض الحسين عليهالسلام أن يضع يده بيد يزيد ، قال : فنادى ـ الحسين عليهالسلام ـ : « يا شبث بن ربعي ، ويا حجّار بن أبجر ، ويا قيس بن الأشعث ، ويا يزيد بن الحارث ، ألم تكتبوا إليّ ... »؟ قالوا له : لم نفعل ، فقال : « سبحان الله ، بلى ... إذ كرهتموني دعوني انصرف عنكم ... » ، فقال له قيس : أولا تنزل على حكم ابن عمّك ـ أي يزيد ـ فإنّهم لن يروك إلاّ ما تحب ، ولن يصل إليك منهم مكروه ، فقال له الحسين : » ... لا والله ، لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ... » (٢) ، ورواه أيضاً ابن كثير في تاريخه (٣).
ويؤكّد ذلك ما نقله الذهبي في تاريخ الإسلام قول الحسين عليهالسلام : « ألا ترون إلى الحقّ لا يُعمل به ، وإلى الباطل لا يتناهى عنه ، ليرغب المؤمن في لقاء الله ، وإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة ، والحياة مع الظالمين إلاّ برماً » (٤).
وهذه هي الحقيقة التي تتناسب مع شخصية سبط النبيّ صلىاللهعليهوآله وابن علي عليهالسلام ، الذي تربّى تحت بارقة ذو الفقار ، لا ما استنتجه الكاتب ، ليقلّل من شأن موقف الحسين عليهالسلام ، ويرفع من قيمة يزيد حفيد آكلة الأكباد.
تحريف الكاتب لموقف الحرّ بن يزيد الرياحي!
قال الكاتب : « وكان قد انضم إلى الحسين من جيش الكوفة ثلاثون رجلاً ، على رأسهم الحرّ بن يزيد التميمي ، ولمّا عاب عليه قومه ذلك قال : والله إنّي أُخيّر نفسي بين الجنّة والنار ».
__________________
١ ـ البداية والنهاية ٨ / ١٩٠.
٢ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٤ / ٣٢٣.
٣ ـ البداية والنهاية ٨ / ١٩٤.
٤ ـ تاريخ الإسلام ٥ / ١٢.