يدخل أمير المؤمنين عليهالسلام مع القوم في نزاع ، وصبر على خلافة الأوّل ، وعلى خلافة الثاني ، ولم يدخل معهم في وزارة أو إمرة ، بل كان معتزلاً عنها ، ومن يدّعي أنّه تولّى أمراً ، أو استوزر من قبل الخليفة ، فهو كاذب لا مستند تاريخي له.
إلى أن وصل الأمر إلى الثالث ، وبوصولها إليه ابتعد المسلمون كثيراً عن الخطّ الذي رسمه النبيّ صلىاللهعليهوآله ، ووضح الشرخ المنحرف داخل المجتمع ، بخلافه على زمن الأوّل والثاني ، فإنّ الانحراف لم يكن بالمستوى الذي وصل إليه في خلافة عثمان ، لأنّ عثمان بن عفّان ولّى بني عمّه على الأمصار ، وعزل الصحابة الأخيار ، وولّى الطلقاء الذين هم من المنافقين والذين لم يسلموا ، بل استسلموا ، خوفاً على دمائهم ، لا رغبة في الإيمان.
فهؤلاء عندما ولاّهم عثمان عاثوا في الأرض الفساد ، واستعبدوا العباد ، وغيّروا السنّة ، وبدّلوا الشريعة ، فلذلك رفض أمير المؤمنين البيعة ، لأنّه لو كانت الخلافة جاءته بعد عمر لكان هناك مجال واسع لإصلاح الانحراف الذي خلّفه أبو بكر وعمر ، فلذلك دخل عليهالسلام في الشورى ، الذين عيّنهم عمر.
وأمّا بعد تولّي عثمان الخلافة فإنّ الانحراف وصل إلى أوجه ، بحيث لا ينفع معه إصلاح ولا تعديل ، فلذلك رفض البيعة ، وقال لهم : افعلوا بها كما شئتم ، فكما قدّمتم الأوّل والثاني والثالث عليّ فالآن لا حاجة لي بها ، قدّموها إلى غيري ، واطلبوا لها غيري يسايرها مع هذا الانحراف ، لأنّه إذا أخذها علي عليهالسلام لا تستطيعون أن تسيروا حسب ما يريد ، ولا تطيقوا تعاليمه التي هي تعاليم القرآن ، لأنّه غرس بنو أُمية في نفوسهم تعاليم الجاهلية ، وأبعدوهم عن تعاليم الإسلام ، فلذلك لا يستطيعون مسايرة الإمام وإتباعه ، وهذا ما عرفه عليهالسلام من الأوّل ، فلذلك قال لهم : « دعوني والتمسوا غيري ».
وإليك هذان النصّان التاريخيان يوضّحان ما قلناه ، ويشهدان عليه :
١ ـ روي عن ابن عباس أنّه قال : دخلت على عمر يوماً ، فقال لي : يا ابن عباس لقد أجهد هذا الرجل نفسه في العبادة حتّى نحلت رياءً.
قلت : من هو؟