فقال : هذا ابن عمّك ـ يعني علياً ـ.
قلت : وما يقصد بالرياء أمير المؤمنين؟
قال : يرشح نفسه بين الناس للخلافة.
قلت : وما يصنع بالترشيح ، قد رشّحه لها رسول الله صلىاللهعليهوآله فصرفت عنه.
قال : إنّه كان شابّاً حدثاً فاستصغرت العرب سنّه وقد كمل الآن ، ألم تعلم أنّ الله تعالى لم يبعث نبيّاً إلاّ بعد الأربعين.
قلت : يا أمير المؤمنين ، أمّا أهل الحجى والنهى فإنّهم مازالوا يعدّونه كاملاً منذ رفع الله منار الإسلام ، ولكنّهم يعدّونه محروماً محدوداً.
فقال : أمّا إنّه سيليها بعد هياط ومياط ، ثمّ تزل قدمه فيها ، ولا يقضى فيها إربة ، ولتكونن شاهداً عليه يا عبد الله ، ثمّ يتبيّن الصبح لذي عينين ، وتعلم العرب صحّة رأي المهاجرين الذين صرفوها عنه بادئ بدء (١).
فأنظر إلى قوله : سيليها بعد هياط ومياط ، أي : تصله مضطربة قد نخر فيها الفساد نخراً ، وانحرفت أشدّ الانحراف ، فلا يستطيع أن يصنع فيها شيء ، فلذلك ستلفظه لعدم طاقتها له.
٢ ـ لمّا ضرب عمر بن الخطّاب ، قال الإمام لقوم من بني هاشم : « إن أطيع فيكم قومكم من قريش لم تؤمروا أبداً » ، وقال للعباس : « عدل بالأمر عنّي يا عم » ـ يقصد عمر بن الخطّاب ـ قال : وما علمك؟
قال : « قرن بي عثمان ، وقال عمر : كونوا مع الأكثر ، فإن رضي رجلان رجلاً ورجلان رجلاً ، فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف ، فسعد ـ أي سعد بن أبي وقّاص ـ لا يخالف ابن عمّه ـ يعني عبد الرحمن ـ وعبد الرحمن صهر عثمان لا يختلفان ، فيوليهما أحدهما الآخر ، فلو كان الآخران معي لم يغنيا شيئاً ».
__________________
١ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٣ / ٤٥٦.