فعمّر بها من شرّف بها منزل الاستيطان وبسط لها ما يختصّ بها من فراش التّعظيم بما وهبه لمولاه من الإمكان ، فأقامت باذن واهبها قاطنة ، واستنصرت بقدرة حافظها أقطار أماكنها ساكنة.
فتعطّرت بارجها (١) شعار تلك المساكن واستبشرت بمهجتها الألباب المجاورة للتّراب الساكن مسافة أقطارها ، ونزل منزلته إلى علوّ منزلتها ومنازلها وطول مسافة جهله إلى غاية ضيافة موائد مبارّها ومسارّها.
وأشهد أن جدّي محمّدا أقدم قدما على تناول طرف جلالها ، وأعظم همما في تكامل شرف تحف كمالها ، وأتمّ شيما في لبس خلع جلبابها ، وأبسط يدا وقلما ، وأصدق لهجة وفهما في فتح مستغلق أبوابها.
وأشهد انّ النّوّاب عنه في حفظ نظامها ، والتجلّي بجواهر تمامها ودوامها ، والجلوس على فراش علوّ مقامها ، لا يقوى عليه الاّ عقول تجلّت لإكمالها وقبولها ، وقلوب تخلّت عمّا يمنع من الظفر بحصولها وأصولها ، ولا يقدم على الاقدام بالحق عليها إلاّ أقدام لم تزل طاهرة من المشي إلى عبادة صنم أو حجر افتضح عابدها بعبادتها ، ولا تنالها من الأيدي بالصدق الاّ جوارح لم تزل سرائرها ذاكرة لمعرفة فاطرها وواهب سعادتها.
وانّى يبلغ إلى ذروة قلل الجبال بالرئاسة عليها من كان عبد الأحجار قد أشهد على نفسه بالعبوديّة لها والذلّ بين يديها ، وانّى يحتوي على شجرة التقوى وثمرة النّجوى من كان على وجهه وسم الملكة للاخشاب الّتي عبدها من دون رب الأرباب ، وكيف ترحم أهل القبور والأموات بعبادة الأخشاب والصخور أصحاب هذا النّور الذي لا يسعه الاّ صدور الصدور ، ولا يجمعه الاّ أماكن مساكن الشموس والبدور.
وبعد ، فانّني لمّا رأيت كتاب الإقبال بالأعمال الحسنة فيما نذكره ممّا يعمل مرّة واحدة في السنة ، قد فتح الله فيه أبواب الفوائد وأنجح مسعى المطالب بزوائد عن الفوائد ، حتى ضاق ان يكون فوائده في مجلّد واحد فجعلت عمل شهر ذي القعدة وذي
__________________
(١) الأرج : الريح المعطر.