الآخرة مضافا الى ابتلائه بالمصيبة والمها في الدنيا ـ وذلك هو الخسران المبين واذا دققنا النظر لنعرف سبب امتياز المؤمن عن غيره بما ذكرنا ـ نعرف انه الايمان الصادق في الاول وعدم الايمان او ضعفه في الثاني ـ لان الايمان الواعي القائم على اساس الدليل القوي الواضح ـ هو الذي يوحى لصاحبه بأن كل النعم والآلاء ـ من الله تعالى ـ لقوله سبحانه :
( وما بكم من نعمة فمن الله ) (١).
وانه اذا صرفها في سبيل اطاعته زاده منها وابقاها له وطول عمره ـ كما تقدم ولذلك يتقيد بصرفها في هذا السبيل لينال هذه الفوائد المعجلة في الدنيا مضافا الى ظفره بالسعادة الخالدة والنعيم الدائم في الآخرة ـ واذا طرأت عليه ـ اي على المؤمن مصيبة ـ صبر عليها ورضي بقضاء الله وقدره فيها لينال بذلك ثواب الصابرين في الآخرة مضافا الى الفائدة المعجلة التي يحصلها ببركة الصبر وهي ان يخف تألمه بالمصيبة وبقدر ما يقوى ايمانه يقوى صبره وتخف مصيبته الى درجة تصبح معها بحكم العدم.
وبذلك نعرف قيمة الايمان الصادق وانه اعظم نعمة يمن بها الله سبحانه على الإنسان ـ وبهذه النعمة المباركة تكون النعم والآلاء الاخرى ـ نعمة حقيقية يتمتع بها صاحبها في حاضر الدنيا ومستقبل الآخرة. وبهذا النعمة ـ اي نعمة الايمان تخف المصيبة وربما تزول وتجف لتصبح بحكم العدم في الحاضر العاجل وينال بصبره عليها ورضاه بها الثواب العظيم في المستقبل الأجل.
والى هذه الفوائد العظيمة المترتبة على نعمة الايمان اشار بعضهم بقوله : عجبت لامر المؤمن ان أمره كله خير لانه اذا حصلت له نعمة شكر فكانت خيرا له واذا طرأت عليه مصيبة صبر فكانت خيرا له لنيله ثواب الصابرين.
__________________
(١) سورة النحل ، آية : ٥٣.