( الله اعلم حيث يجعل رسالته ) (١).
وهكذا انطلق الركب العلوي الرسالي المثالي في مسيرة اخلاقية رائعة جسمت تعاليم السماء ومثل الإسلام على الصعيد العملي حتى اصبح كل واحد منهم اسلاما عمليا متحركا وقرآنا ناطقا والذي يساعد على القيام بهذا الدور الايجابي البناء في مقام معالجة خطأ الاخرين ومرض إستاءتهم هو الالتفات التفصيلي الى ان ذلك يعبر عن وجود مرض نفسي لدى المسيء دفعه لان يقف موقفا سلبيا عدوانيا تجاه الإنسان الاخر البريء الذي لم يصدر منه ما يسبب الاعتداء عليه والاساء اليه وفي هذا الفرض يترجح للإنسان المؤمن الرسالي ان لا ينزل الى مستوى ذلك المسيء بمقابلته بالمثل وان كان ذلك جائزاً لصريح قوله تعالى :
( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) (٢).
لان الإسلام دين الفطرة والواقعية فلو منع المعتدى عليه من اخذ حقه من الظالم له والمعتدي عليه ـ سبب ذلك له عقدة نفسية ربما اودت بحياته مضافا الى ما يترتب على ذلك من تشجيع المعتدي على عدوانه كما هو واضح ـ وانطلاقا من هذه الحقيقة النفسية الفطرية شرع الإسلام القصاص واعطى للمعتدى عليه او وليه حق الاقتصاص حيث قال سبحانه :
( ولكم في القصاص حياة يا أُولي الالباب ) (٣).
أجل : ان الرد بالمثل او الاخذ بحق القصاص على تفصيل مذكور في محله من الفقه وان كان جائزا الا ان الارجح هو كضم الغيظ والعفو عن المسيء لان ذلك يكون مسكنا لالم مرضه النفسي فلا يكرر اعتداءه بخلاف ما اذا رد عليه بالمثل فإن ذلك يزيده حماقة وتهورا الى درجة يصبح معها فاقد الوعي والتوازن كالسكران او المجنون وربما تطورت العداوة وتكرر العدوان
__________________
(١) سورة الانعام ، آية : ١٢٤.
(٢) سورة البقرة ، آية : ١٩٤.
(٣) سورة البقرة ، آية : ١٧٩.