يتطلب جهدا كبيرا ومعاناة شديدة ومن هنا عبر عن هذا الصراع الذي يخوضه الإنسان المكلف في ساحة النفس ـ بالجهاد الاكبر نظرا لصعوبته.
وحيث ان اكثر الغرائز والطبائع المادية ان لم يكن كلها ـ تتغذى وتقوى بالطعام والشراب ـ يكون فصلها عنهما مع سائر المفطرات مساعدا على اضعافها وذبولها كما يذبل النبات بسبب انقطاع الماء عنه ـ وبقدر ما تضعف الغرائز امام سلطان العقل وقيادته ـ يصبح اقوى منها واقدر على اخضاعها وكبح جماحها عن الانطلاق في ميدان الاهواء والرغبات المنحرفة ليسير بها في منهج الاعتدال والتوسط بين الكبت والحرمان والاسراف والطغيان وقد اشار الله سبحانه الى هذا التوسط بقوله :
( وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين (٣١) ) (١).
ومن المعلوم ان الاعتدال والتوسط هو الطابع العام في التشريع الإسلامي وقد اراد الله سبحانه للانسان تحقيق ذلك في تصرفاته الحياتية بإعتبار ان ذلك فضيلة محمودة وتجاوزه رذيلة مذمومة ويبدأ التوازن في داخل النفس بإلتزام منهج التوحيد بإعتباره وسطا بين الالحاد والاشراك وينطلق الى خارجها في درب العمل والإمتثال وذلك باتصافه بفضيلة الكرم المتوسطة بين رذيلتي البخل والاسراف ، وبفضيلة الشجاعة المتوسطة بين الجبن والتهور وبفضيلة الزهد المتوسطة بين رذيلتي الطمع والحرص الجامح والزهد الخامد الجامد وهكذا وقد اعتبر علماء الاخلاق ان كل فضيلة تكون وسطا بين رذيلتي التفريط والافراط ومن هنا اشتهرت الحكمة القائلة : « خير الامر الوسط » والآية الكريمة التالية وان وردت لطلب التوسط بالبذل والعطاء ولكن يصح ان تعتبر عنوانا عاما ومقياسا شاملا للتوسط في كل التصرفات التي يمارسها لانسان على صعيد هذه الحياة وهي قوله تعالى :
__________________
(١) سورة الاعراف ، آية : ٣١.