تشير الحكمة المشهورة ( إن لله خواص في الازمنة والامكنة والاشخاص ) وبذلك يعرف الوجه في اختصاص بعض الادعية ببعض الاوقات وقد تحصل من مجموع ما تقدم ان المؤمن يلجأ الى الدعاء بإعتباره الوسيلة التي يقدمها بين يديه الى الله سبحانه ليستعين به على حصول مطلوبه ويحقق شروط التأثير والإستجابة بالإنقطاع الى الله سبحانه والإخلاص في التوكل عليه وإزالة حواجز المعصية المانعة من الاجابة ـ بالتقوى والتوبة النصوح اذا كان مرتكبا ذنبا كما يوجد الاسباب المادية المتعارفة التي يتوقف حصول المطلوب عادة عليها ويقوي هذه الاسباب بايجاد الامور الراجحة والتجمل بالاداب المحبوبة من الداعي وقت دعائه ورجوعه الى الله سبحانه لقضاء حاجته.
وبعد الفراغ من الحديث حول الدعاء وبيان دوره التربوي في حياة الإنسان المسلم مع بيان الامور المساعدة على استجابته وترتب فائدته ـ يأتي دور الشروع بالحديث حول موضوع الكتاب الاساسي الذي انتزع اسمه منه وهو ( فلسفة الصيام في الإسلام ) وقبل الشروع بذلك يترجح التمهيد له بالحديث حول العبادة بمفهومها العام ودورها الايجابي البناء في صياغة الشخصية الإسلامية للفرد المسلم وذلك باعتبار ان الصوم من ابرز مصاديق العبادة فيكون القاء الضوء على مفهومها العام ودورها في صنع الشخصية الإسلامية ـ مساعدا على تصور مفهومه الخاص وادراك فلسفة تشريعه بوضوح وجلاء فنقول :
ان العبادة بما لها من مفهوم اسلامي واسع تعتبر من اهم الموضوعات الجديرة بالبحث والحديث نظرا لما يترتب على ذلك من الفوائد الهامة والمنافع العامة التي تثقف الإنسان فردا ومجتمعا وتمهد له سبيل الوصول الى الاهداف السامية والمراتب العالية التي اراد الله سبحانه وصوله اليها وحصوله عليها من خلال ممارستها على الوجه الشرعي المطلوب ، ويؤكد هذه الحقيقة اعتبار الله لها السبب الباعث والعلة الغائية الداعية لإيجاد هذا الكون العظيم بما فيه الإنسان الذي كرمه الله سبحانه وفضله على كثير ممن خلق تفضيلا.