فهو يخرج من مدرسة هذا الشهر متمتعا بقوة مراقبة وصفة محاسبة للنفس تضبط تصرفاتها وتحصرها في اطار الوظيفة الشرعية فلا تفعل الا ما يريد الله منها فعله ولا تترك الا ما يريد منها تركه لنفس السبب الذي كانت تترك المفطرات ايام الصيام امتثالا لأمره سبحانه.
وهذه الصفة الثابتة والملكة الراسخة التي تثبت في نفس الصائم نتيجة ممارسته لهذه العبادة الصامتة هي المعبر عنها بالتقوى وحيث انها من ابرز الفوائد المترتبة عليها فقد نص الله سبحانه عليها بالخصوص في قوله تعالى :
( يايها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون (١٨٣) ) (١).
ومن جملة الفوائد المترتبة على تأدية فريضة الصيام تحصيل صفة الصبر وقوة الارادة وذلك لان الإنسان يولد ضعيفا جسميا وروحيا فيحتاج الى ما ينميه ويقويه من الغذاء والرياضة وكما طلب الشرع المقدس ممن يتولى تربية الطفل ان يقدم له الغذاء والماء لينمو جسمه وتحفظ حياته المادية ورجح له تدريبه على بعض الحركات الجسمية الرياضية ليتصلب عوده وتقوى عضلات بدنه كذلك طلب منه ان يقدم له الغذاء الروحي المتمثل بالعلم والمعرفة الصحيحية لينمو عقله وتسمو روحه وكل كيانه المعنوي وطلب منه ايضا ان يعوده على ممارسة الشعائر الدينية والفرائض الإسلامية وخصوصا فريضتي الصوم والصلاة لتقوى بها ارادته وتتصلب عضلاته الروحية وبعد بلوغه عاقلا يتوجه اليه التكليف على وجه الالزام بالاستمرار على تأدية الفرائض لما يترتب عليها من تقوية روح العبودية وصلابة الارادة الذاتية.
وتأتي فريضة الصوم في الطليعة من بين الفرائض والعبادات نظرا الى ما يترتب عليها من حبس النفس عما هي محتاجة اليه ومتعودة عليه فإذا انقادت
__________________
(١) سورة البقرة ، آية : ١٨٣.