الصورة الاولى :
فمن ذلك ما إذا تردد الفعل بين الوجوب والحرمة ؛ إمّا لورود خبر يفيد ذلك ، أو لتعارض الأخبار ؛ أو ، لطروء (١) حالة على المكلف توجب تغيير الحكم من أحدهما إلى الآخر في نظره لجهله بالحكم ، وعدم تمكّنه من السؤال.
والظاهر من بعض الأخبار أن الاحتياط هنا في الترك (٢) ، ففي موثقة ابن بكير ، وزرارة ، في اناس من أصحابنا حجّوا بامرأة معهم ، فقدموا إلى الوقت ، وهي لا تصلّي ، فجهلوا أن مثلها ينبغي أن يحرم ، فمضوا بها كما هي ، حتّى قدموا مكّة وهي طامث حلال ، فسألوا الناس؟ فقالوا : تخرج إلى بعض المواقيت فتحرم منه ، وكانت إذا فعلت لم تدرك الحجّ ، فسألوا أبا جعفر عليهالسلام فقال : «تحرم من مكانها قد علم الله نيّتها» (٣).
وجه الدلالة أنها تركت واجبا في الواقع ، لاحتمال حرمته عندها ؛ بسبب الحيض ، والإمام عليهالسلام قرّرها على ذلك ولم ينكر عليها ، بل استحسن ذلك بقوله :
__________________
(١) في «ح» : لطريان.
(٢) أقول : وممّا يدلّ على ذلك موثّقة سماعة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في أمر كلاهما يرويه ؛ أحدهما يأمره بأخذه والآخر ينهاه عنه ، كيف يصنع؟ قال عليهالسلام : «يرجئه حتى يلقى من يخبره ؛ فهو في سعة حتى يلقاه» (١).
وجه الدلالة : أنه لما كان كل من الأمر والنهي حقيقة في الوجوب والتحريم ، فالحكم حينئذ باعتبار أمر أحدهما به ونهي الآخر عنه قد تردّد بين الوجوب والتحريم. وهو عليهالسلام قد أمر في الصورة المذكورة بالإرجاء الذي هو عبارة عن ترك الفعل حتّى يلقى من يخبره بتعيّن أحدهما ؛ فالاحتياط حينئذ هو الترك. منه رحمهالله ، (هامش «ح»).
(٣) الكافي ٤ : ٣٢٤ / ٥ ، باب من جاوز ميقات أرضه بغير إحرام أو دخل مكة بغير احرام ، وسائل الشيعة ١١ : ٣٣٠ ، أبواب المواقيت ، ب ١٥ ، ح ٦.
__________________
١ ـ الكافي ١ : ٦٦ / ٧ ، باب اختلاف الحديث.