هو ظاهر معلوم ، لا ترى له ذكرا بين الأنام ، ولا ترى من يقلّده في أظهر الظواهر من الأحكام ، فيا ويلهم (١) كأنهم لم تقرع أسماعهم تلك التقريعات القرآنية والإنذارات (٢) المعصومية ، ولم تسع أفهامهم تلك التحذيرات القاصمة الظهور ، بلى إنها (لا تَعْمَى الْأَبْصارُ ، وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (٣).
وقد روى ثقة الإسلام في (الكافي) بسنده عن داود بن فرقد قال : قال أبو عبد الله عليهالسلام : «إن أبي كان يقول : إن الله لا يقبض العلم بعد ما يهبطه ، ولكن يموت العالم فيليهم الجفاة ، فيضلون ويضلّون» (٤).
وروى العامة في [صحاحهم] (٥) عن النبي صلىاللهعليهوآله أنه قال : «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ، لكن يقبض العلماء ، حتى إذا لم يبق علم اتخذ الناس رؤساء جهّالا ، وأفتوا الناس بغير علم ، فضلوا وأضلوا» (٦).
الفائدة الخامسة : في طرق الترجيح بين الأخبار
قد اشتملت هذه الرواية على طرق الترجيح بين الأخبار بما لم يرد في غيرها من الأخبار الواردة في هذا المضمار ، سوى مرفوعة زرارة المرويّة في كتاب (عوالي اللآلي) عن العلّامة مرفوعا إلى زرارة بن أعين قال : سألت الباقر عليهالسلام فقلت : جعلت فداك ، يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان فبأيهما آخذ؟
فقال : «يا زرارة ، خذ بما اشتهر بين أصحابك ، ودع الشاذ النادر».
__________________
(١) في «ح» : فينادي لهم.
(٢) في «ح» : الإنذار.
(٣) إشارة إلى الآية : ٤٦ من سورة الحجّ.
(٤) الكافي ١ : ٣٨ / ٥ ، باب فقه العلماء.
(٥) في النسختين : أصحتهم.
(٦) مسند أحمد بن حنبل ٢ : ١٦٢ ، صحيح البخاري ١ : ٥٠ / ١٠٠ ، صحيح مسلم ٤ : ١٦٣٤ / ٢٦٧٣ ، وفيها : إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتّى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رءوسا جهّالا ، فسئلوا ، فأفتوا بغير علم ، فضلّوا وأضلّوا.