الأخذ بالأخير ، ولم أقف على من عدّ ذلك في طرق الترجيح من الأخبار ، فضلا عن العمل عليه في ذلك المضمار سوى شيخنا الصدوق ـ عطر الله مرقده ـ في (الفقيه) في باب الرجل يوصي للرجلين ، حيث نقل فيه خبرين (١) توهم أنهما مختلفان ، ثم قال : (ولو صح الخبران جميعا لكان الواجب الأخذ بقول الأخير ، كما أمر به الصادق عليهالسلام ، وذلك لأن الأخبار لها وجوه ومعان ، وكلّ إمام أعلم بزمانه وأحكامه من غيره من الناس) (٢) انتهى.
أقول : لا يخفى أن العمل بهذا الوجه في زمانهم عليهمالسلام لا إشكال فيه ؛ وذلك لأن الاختلاف المذكور ناشئ عن التقية ، لقصد الدفع عن الشيعة ، كما يشير إليه قوله عليهالسلام في الخبر الثاني : «إنا والله لا ندخلكم إلّا فيما يسعكم».
وحينئذ ، فالوجه في الأمر بالأخذ بالأخير ، أنه لو كان التقيّة في الأول فالأخير رافع لها ، فيجب الأخذ به (٣) لكونه هو الحكم الواقعي ولا صارف عنه ثمة ، وإن كان التقية في الثاني وجب الأخذ به لدفع الضرر. وأمّا بالنسبة إلى مثل زماننا هذا ، فالظاهر أنه لا يتجه العمل بذلك على الإطلاق ؛ لجواز أن يحصل العلم بأن الثاني إنّما ورد على سبيل التقية ، والحال أن المكلف يومئذ ليس في تقية ، فإنه يتحتّم عليه العمل بالأوّل. ولو لم يعلم كون الثاني بخصوصه تقيّة ، بل صار احتمال التقية قائما بالنسبة إليهما ، فالواجب حينئذ هو التخيير أو الوقف بناء على ظواهر الأخبار أو الاحتياط ، كما قدمنا الإشارة إليه في الفائدة السابعة (٤).
الفائدة العاشرة : في تقرير مذهب الكليني في اختلاف الأخبار
المستفاد من كلام ثقة الإسلام وعلم الأعلام محمد بن يعقوب الكليني ـ عطر
__________________
(١) الفقيه ٤ : ١٥١ / ٥٢٣ ـ ٥٢٤.
(٢) الفقيه ٤ : ١٥١ / ذيل الحديث : ٥٢٤.
(٣) ليست في «ح».
(٤) في «ح» : السابقة.