وبالجملة ، فإنه إن ترجّح أحد الخبرين بقرينة حالية أو مقالية أو شيء من المرجّحات الشرعية عمل عليه وأرجئ الآخر. وحينئذ ، فإن أمكن حمل ذلك الخبر الآخر على شيء من المحامل التي لا تقتضي طرحه وردّه بالكلية من تقية ونحوها ، وإلّا وكل أمره إلى قائله من غير مقابلة بالردّ والتكذيب ، كما لا يخفى على الموفق المصيب ، ومن أخذ من تتبع الأخبار بأوفر حظ ونصيب.
الفائدة الثانية عشرة : في أن اولى مراتب الترجيح العرض على القرآن
الذي ظهر لي من تتبع الأخبار الواردة في هذا المضمار ، مما تقدم نقله وغيره ، وعليه أعتمد وإليه أستند أنه متى تعارض الخبران على وجه لا يمكن رد أحدهما إلى الآخر ، فالواجب أولا هو العرض على (الكتاب) العزيز ، وذلك لاستفاضة النصوص بالعرض عليه وإن لم يكن في مقام الاختلاف ، وأنّ ما خالفه فهو زخرف (١) ، ولعدم جواز مخالفة أحكامهم الواقعية ل (الكتاب) العزيز ؛ لأنه آيتهم ، وحجتهم ، وأخبارهم تابعة له ، ومقتبسة منه ، وللخبر المتّفق عليه بين الفريقين : «إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض» (٢) ، فهو لا يفارقهم بأن تؤخذ معانيه من غيرهم ، وهم لا يفارقونه بأن يخرجوا في شيء من أحكامهم (٣) وأفعالهم الواقعية عنه.
وأمّا ما ورد من الأخبار مخصصا له أو مقيدا لمطلقه ، فليس من المخالفة في
__________________
(١) الكافي ١ : ٦٩ / ٣ ـ ٤ ، باب الأخذ بالسنة وظواهر الكتاب ، وسائل الشيعة ٢٧ : ١١٠ ـ ١١١ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ١٢ ، ١٤.
(٢) المصنف (ابن أبي شيبة) ٦ : ٣١٣ ـ ٣١٤ / ٣١٦٧٠ ـ ٣١٦٧٧ ، و ٧ : ٤١١ / ٣٦٩٤٢.
(٣) مناقب علي بن أبي طالب (ابن المغازلي) : ٢٣٤ / ٢٨١ ، عنه في عمدة عيون صحاح الأخبار : ٧١ ـ ٧٢ / ٨٨ ، و: ٧١ / ٨٧ نقلا عن تفسير الثعلبي ، وسائل الشيعة ٢٧ : ٣٣ ـ ٣٤ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٥ ، ح ٩ ، مسند أحمد بن حنبل ٣ : ١٤ ، باختلاف يسير في الجميع.