نجسا فطهّر ، ولم يعلم أن الاستعمال كان قبل التطهير أو بعده ، فلا يصح أن يقال : الأصل عدم تقدّم التطهير ؛ لاستلزامه وجوب إعادة الغسل.
والوجه في ذلك أن حجّيّة الأصل في النفي والعدم. إنّما هو من حيث لزوم تكليف الغافل لو لم يكن كذلك ، ووجوب إعلام المكلف بالتكليف ؛ فلذلك حكموا ببراءة الذمة عند عدم الدليل على ما سيأتي من التفصيل. وأمّا إثبات الحكم الشرعيّ بالأصل ، فلا دليل عليه ، ويلزم منه إثبات حكم بلا دليل.
أقسام البراءة الأصلية
إذا تقرّر ذلك ، فاعلم أن البراءة الأصليّة على قسمين :
أحدهما : أنها عبارة عن نفي الوجوب في فعل وجوديّ إلى أن يثبت دليله ، بمعنى أن الأصل عدم الوجوب حتّى يقوم عليه دليل. وهذا القسم مما لا خلاف في صحة الاستدلال عليه والعمل به ؛ إذ لم يذهب أحد إلى أن الأصل الوجوب حتّى يثبت عدمه ، لاستلزام ذلك تكليف ما لا يطاق.
وثانيهما : أنها عبارة عن نفي التحريم في فعل وجوديّ إلى أن يثبت دليله ، بمعنى أن الأصل الإباحة وعدم التحريم إلى أن يقوم دليل. وهذه هي البراءة الأصليّة التي وقع النزاع فيها نفيا وإثباتا ، فجميع العامة (١) ، وأكثر الاصوليّين (٢) من أصحابنا ـ رضوان الله عليهم ـ على القول بها والتمسّك في رد الأحكام بها ، حتّى طرحوا في مقابلتها النصوص الضعيفة باصطلاحهم ، بل الموثّقة ، كما لا يخفى على من طالع كتبهم الاستدلالية و (المدارك) ونحوهما.
__________________
(١) المعتمد في أصول الفقه ٢ : ٣١٥ ، الإحكام في اصول الأحكام ٤ : ٣٦٨ ، المحصول في علم الاصول : ٣٣ ، تقريب الوصول إلى علم الاصول : ١٤٤.
(٢) الذريعة إلى اصول الشريعة ٢ : ٨٠٩ ، معارج الاصول : ٢١٢ ـ ٢١٣ ، مبادئ الوصول إلى علم الاصول : ٨٧.