واستصحابها ، حتى يقوم دليل على الخروج عنها ، وهكذا قولهم : الأصل في الأشياء الإباحة.
ثم إنه يجب أن يعلم أن الأصل بمعنى النفي والعدم إنّما يصحّ الاستدلال به على نفي الحكم ، لا إثباته ؛ ولهذا لم يذكر الاصوليّون البراءة الأصلية في مدارك الأحكام الشرعية. وحينئذ ، فإذا كان أصالة البراءة مستلزمة لشغل الذمّة من جهة اخرى ، لم يجز الاستدلال بها ، كما إذا علم نجاسة أحد الإناءين أو الثوبين بعينه ثم اشتبه بالآخر ، فإنه لا يصحّ الاستدلال على الطهارة في أحدهما بأن يقال : الأصل عدم نجاسته ، أو الأصل عدم وجوب الاجتناب عنه ؛ لاستلزامه التكليف بطهارة الآخر (١) وشغل الذمة بذلك ، فتصير البراءة الأصليّة دليلا على ثبوت حكم شرعيّ.
ومنه أيضا اشتباه الزوجة بالأجنبية ، والحلال بالمشتبه بالحرام (٢) ، ومثل ذلك يجري أيضا في أصالة عدم تقدّم الحادث ، فإنه إن لم يستلزم شغل الذمّة من جهة اخرى يصحّ الاستدلال وإلّا فلا ، كما لو استعمل ماء فوجد فيه بعد الاستعمال نجاسة لم يعلم تقدّمها على وقت الاستعمال أو تأخرها عنه ، فإنه يصحّ أن يقال : الأصل عدم تقدّم النجاسة.
وبخصوص ذلك وردت موثقة عمار ، في الفأرة المتفسّخة في الإناء (٣) ، وحينئذ فلا يجب غسل ما لاقى ذلك الماء قبل رؤية النجاسة. وإن استلزم شغل الذمّة امتنع الاستدلال بها عندهم ، كما إذا استعمل ماء ، ثمّ علم أن ذلك الماء كان
__________________
(١) كذا في النسختين ، غير أنه في مصحّحة «م» : (لاستلزامه التكليف بوجوب الاجتناب عن الاخرى ...).
(٢) في النسختين : والنجاسة في المحصور ، وكذا في «م» ، وما اثبتناه من مصحّحة «م».
(٣) تهذيب الأحكام ١ : ٤١٨ / ١٣٢٢ ، وسائل الشيعة ١ : ١٤٢ ، أبواب الماء المطلق ، ب ٤ ، ح ١.