أعرض عن العمل بها ، معتذرا بأنه (لا تعرف من جميع ذلك إلّا أقله) (١) ، وتخطاها ، واعتمد على القول بالتخيير مطلقا ؛ لأنه الأحوط والأسلم كما قدمنا إيضاحه. فكيف يصحّ حمل كلامه على أنه يوجب العمل بالمرجّحات المذكورة في الأخبار ، وأنه (٢) لا يصير إلى التخيير إلّا عند عدم ظهور شيء منها كما توهمه؟
وثانيا : أن صدر عبارته ـ إلى آخرها ـ ينادي بأن ما ذكره قاعدة كلية في مختلفات الأخبار ، حيث صرّح بأنه لا يسع أحد تمييز شيء مما اختلفت فيه الرواية إلّا بأحد الطرق الثلاث ، ثم تخطاها لما ذكره من العذر وصار إلى التخيير.
فكيف يصحّ حمل كلامه على خصوص الأخبار المختلفة في العبادات المحضة؟
ولو تم ما توهمه للزم أن يبقى حكم الأخبار المختلفة في سائر الامور والأحكام حينئذ مغفلا في كلامه عليهالسلام ، غير منبّه عليه ولا مبينا حكمه. وما استند إليه من قرينة ذكر مقبولة عمر بن حنظلة بعد ذلك في الباب المذكور ، ففيه أنه قد ذكر أيضا جملة من الروايات الدالة على طرق الترجيح غيرها ، ولكنه قدسسره قد نبه هنا على العذر عن إمكان العلم بها والبناء عليها. فمجرد ذكره لها أخيرا لا يقتضي تخصيص كلامه هنا بها مع تصريحه بالعذر المذكور ، وظهور كلامه في العموم كالنور على الطور.
الفائدة الحادية عشرة : في الجمع بحمل بعض الروايات على المجاز
قد اشتهر بين كثير من أصحابنا ـ رضوان الله عليهم ـ سيما أكثر المتأخرين ، عدّ الاستحباب والكراهة من وجوه الجمع بين الأخبار ، بل الاقتصار عليه في الجمع دون تلك القواعد المنصوصة والضوابط المخصوصة ، كما لا يخفى على من
__________________
(١) الكافي ١ : ٨.
(٢) في «ح» : بأنه.