لاحظ كتب المتأخرين ومتأخريهم حتّى تحذلق بعض متأخري المتأخرين ـ كما نقله عنه بعض مشايخنا المعاصرين ـ فقال : (إذا أمكن التوفيق بين الأخبار بحمل بعضها على المجاز ، كحمل النهي على الكراهة ، والأمر على الاستحباب ، وغير ذلك من ضروب التأويلات ، فهو أولى من حمل بعضها على التقية وإن اتفق المخالفون على موافقته) انتهى.
ولعمري إنه محض اجتهاد ، بل عناد في مقابلة نصوص سادات العباد ، وجرأة على رد كلامهم الصريح في المراد! وذلك فإنه قد استفاضت الأخبار وتكاثرت الآثار على وجه لا ينكره إلّا من لم يسرح بريد نظره في ذلك المضمار بالعرض على مذهب العامة ، والأخذ بخلافه ، بل المستفاد منها أن جل الاختلاف الواقع في الأحكام إنّما نشأ من التقية كما حققناه في المقدمة الاولى من كتابنا (١) (الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة) (٢).
وأيضا ، فإنه متى كان الأمر حقيقة في الوجوب ، والنهي في التحريم ، كما هو القول المشهور ، والمؤيد بالآيات القرآنية ، والأخبار المعصومية ، والمتصور ـ كما أوضحناه ـ بما لا مزيد عليه في مقدمات كتابنا المذكور ـ ولعل ذلك سيأتي في بعض درر (٣) هذا الكتاب ـ فالحمل (٤) على المجاز في كلّ منهما يحتاج إلى قرينة واضحة وحجة بيّنة مفصحة. ومجرد وجود المعارض ليس بقرينة في المقام ؛ لاحتمال ذلك في جانب المعارض الآخر أيضا. فتخصيص هذا دون ذاك ترجيح بلا مرجح ، ولاحتمال خروج هذا أيضا عنهم عليهمالسلام على سبيل التقية ونحوها.
__________________
(١) في «ح» : كتاب.
(٢) الحدائق الناضرة ١ : ٥ / المقدّمة الاولى ، وانظر ١ : ١١٢ ـ ١١٨ / المقدّمة السابعة.
(٣) انظر الدرر ٢ : ١٨٧ ـ ١٩٥ / الدرّة : ٣٠.
(٤) في «ح» : فالكلّ.