إلّا إن عندي أن ما ذكره قدسسره من ذلك لا يخلو من الإشكال ؛ لعدم اندراجه تحت الأخبار الواردة في هذا المجال :
أمّا أولا ، فلان جملة منها قد خصّصت الشبهة بأفراد ليست هذه منها ، وبعضا منها وإن كان مجملا إلّا إن طريق الجمع يقتضي حمله على المفصّل.
وأمّا ثانيا ، فلان عدّ (١) هذا الفرد من جملة أفراد الشبهة التي هي قسيم للحلال البين ، يقتضي حمل الحلال البيّن على ما كان كذلك في نفس الأمر ، وما ثبت حله في الواقع. ومن الظاهر أن هذا ليس ببيّن ، بل هو في نهاية الخفاء ؛ إذ وجود الحلال بهذا المعنى مما يكاد يقطع بعدمه ، حتى إن هذا القائل قدسسره صرّح (٢) في بعض فوائده بأن الحلال الواقعي لا يكاد يوجد إلّا في تناول ماء المطر حال تساقطه في أرض مباحة. والظاهر المتبادر من هذا اللفظ هو أن المراد : ما تبين حله من الأدلّة الشرعية أو حرمته.
فالوصف في الخبر كاشف كما يعطيه قوله عليهالسلام في المقبولة : «أمر تبين رشده ... وأمر تبين غيّه» ، وكما في رواية جميل بن صالح المتقدّمة ، لا وصف احترازي كما يؤذن به كلامه من جملة ما ذكره من الأفراد المعدودة على الحلال الغير البين ، فإنه يرد عليه لزوم ذلك في جانب الحرام أيضا ، فيلزم إمّا اتصاف هذه الأفراد التي ذكرها بالحلال الغير البين والحرام الغير البين معا ؛ وإمّا وجود فرد آخر خارج عن الأفراد الثلاثة المذكورة ، ولا ريب في بطلان الأمرين المذكورين.
وأمّا ثالثا ، فإن المفهوم من الأخبار الدالة على التثليث وكذا غيرها ، هو أنه كما أن الحكم في الحلال والحرام هو الإباحة في الأوّل ، والمنع مع المؤاخذة في الثاني ، كذلك الحكم في الثالث هو الكف والتوقّف عن الحكم ، والرد إلى الله تعالى وإليهم عليهمالسلام كما دريته من الأخبار المتقدّمة. ومنها زيادة على ما تقدم قول أبي
__________________
(١) في «ح» : حدّ.
(٢) من «ح».