الجماعة لتحدٍّ يهددها بذل حياته مغتبطاً في نضال هذا التحدّي إلى إنسان يحرص على هذه حرصاً شديداً مهما كانت ملفّعة بالذلّ ، ومجلّلة بالعار ، ومهما كانت مزيّفة وناصلة.
ولقد كانت خليقة بأن تحوّله من إنسان يحارب الظلم ويناجزه ، ويثور عليه أيّاً كان مصدره ـ فيكره الظلم من نفسه ويحملها على العدل ، ويكره الظلم من غيره ، ويحمله على العدل ـ إلى إنسان يُكافح من أجل أن يكون ظالماً إذا لم تقهره قوّة على أن يكون مظلوماً.
وكانت خليقة بأن تحوّله من إنسان يفهم أنّ الدين لا يجعل من المؤمنين به عبيد الطاغية يحكمهم باسم الدين إلى إنسان يؤيّد الطّغاة الحاكمين.
وكانت خليقة بأن تحوّله من إنسان يرى أنّ الثورة على سياسة التجويع والإرهاب حقّ إلى إنسان يُحارب الثائرين.
وتأريخ هذه الفترة من حياة المسلمين حافل بالشواهد على أنّ هذا التحوّل كان قد بدأ يظهر للعيان ، ويطبع المجتمع الإسلامي بطابعه ، ويمكننا أن نخرج بفكرة واضحة عن أثر هذه السياسة في المجتمع الإسلامي حين نُقارن بين ردّ الفعل الذي واجه به المسلمون سياسة عثمان وعمّاله ، وبين موقفهم من سياسة معاوية ؛ فقد كان ردّ الفعل لسياسة عثمان وعمّاله ثورة عارمة من معظم أقطار الأمّة المسلمة من المدينة ومكة ، والكوفة والبصرة ومصر وغيرها من حواضر المسلمين وبواديهم ، فهل نجد ردّ فعل جماعيّاً كهذا لتحدّيات معاوية في سياسته اللإنسانيّة للجماهير المسلمة ، مع ملاحظة أنّ الظلم على عهد معاوية أفدح ، والاضطهاد والقتل والإرهاب أعمّ وأشمل ، وحرمان الأمّة من حقوقها في ثرواتها وإنتاجها أظهر.
الحقّ إنّنا لا نجد شيئاً من ذلك أبداً ؛ لقد كانت الجماهير خاضعة خضوعاً أعمى.