الازدواج الذي يرجع إليه سرّ المأساة الدامية الطويلة الأمد التي عاشها الثائرون على حكّام الجور من الاُمويِّين والعباسيين ، ومَنْ تلاهم من الظالمين ، هذا الازدواج الذي كان يعمل عمله في فضّ أعوان الثورة عنها بتأثير الشخصيّة الخارجيّة المُنسجمة الأخرى ، الشخصيّة التي تُطاردها السلطة وتُحاربها ، هذا الازدواج الذي صوّره الفرزدق للحسين عليهالسلام حين لقيه في بعض الطريق ، فسأله عن أهل الكوفة :
«قلوبهم معك وسيوفهم عليك».
* * *
ولقد كانت هذه السياسة خليقة بأن تنتهي بالمجتمع الإسلامي إلى حالة تعسة من الذلّ والخنوع ، ومن تفاهة الحياة ، وأهداف تلك الحياة.
لقد كانت خليقة بأن تحوّل المسلم من إنسان يستبدّ به القلق لمصير الإنسانيّة كلّها ، ويُعبّر عن هذا القلق بالاهتمام المباشر والعمل الإيجابي المؤدّي إلى التخفيف من ويلات الإنسان في كلّ مكان إلى إنسان قبلي ضيّق الأفق ، يعيش داخل نطاق قوقعته القبلية التي كانت قبل الإسلام تغل الإنسان العربي داخل إطارها فتعوق شخصيّته عن النمو والامتداد خارج حدود كيانه القبلي ، والتي عادت في عهد معاوية تعمل عملها المُدمّر مرّة اُخرى.
ولقد كانت خليقة بأن تُحوّل من إنسان عقائدي تسير حياته على خطّ مستقيم ـ خطّ النضال من أجل العقيدة التي يحرّر بها غيره من الناس ، ويردّ إليهم اعتبارهم الإنساني المسلوب ـ إلى إنسان لا ترتكز حياته على عقيدة ، ولا يحفزه مطمح عظيم ، إنسان تستبدّ به النزوات الطارئة ، والمنافع القريبة ، وتجعله تارة هنا وتارة هناك.
ولقد كانت خليقة بأن تحوّله من إنسان يعي وعياً عميقاً أنّ حياته الشخصيّة ليست ملكاً له بقدر ما هي ملك للجماعة الإنسانيّة ، فإذا تعرضت