ثمّ أقبل على الوليد فقال :
«أيها الأمير ، إنّا أهل بيت النبوّة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، بنا فتح الله ، وبنا يختم ، ويزيد فاسق فاجر ، شارب الخمر ، قاتل النفس المحترمة ، معلن بالفسق والفجور ، ومثلي لا يبايع مثله» (١).
بهذه الكلمات أعلن الحسين عليهالسلام ثورته على الحكم الاُموي الفاسد على عظمته وجبروته وقسوته في مؤاخذة الخارجين عليه ، فقد مات معاوية وانقضى العهد والميثاق ، وأصبح وجهاً لوجه أمام دوره التأريخي الذي يتحتّم عليه أن يصنعه ، وإنّه لعلى يقين من أنّ حكم يزيد لن يأخذ صفة شرعية ما دام هو مُمسكاً عن بيعته ، أمّا إذا بايعه فإنّه يكون قد اكتسب الغلّ الجديد الذي طُوقت به الأمّة المسلمة صفة قانونية شرعية ، وهذا شيء لا يفعله عليهالسلام.
إنّ ثمّة فرقاً عظيماً بين أن تكون الاُمّة راضخة لحكم ظالم ولكنّها تعلم أنّه حكم بغير حقّ ، وأنّه حكم يجب أن يزول ، وبين أن تخضع الاُمّة لحكم ظالم وترى أنّه حكم شرعي لا بدّ منه ، ولا يجوز تغييره.
إنّ الاُمّة في الحالة الثانية ترى أنّ حياتها التعسة ، وأنّ التشريد والجوع والحرمان والذلّ هو قدرها الذي لا مفرّ لها منه ، هو مصيرها المحتوم الذي لا بدّ أن تصير إليه ، وحينئذ يُقضى على كلّ أمل في تغيير الأوضاع ، وحينئذ يضمحلّ كلّ أمل في الثورة ، وحينئذ تدعم الاُمّة جلاّديها بدل أن تثور عليهم ، وحينئذ يُصار إلى الرضا بما هو كائن بحسبانه ما ينبغي أن يكون.
أمّا حين تخضع الاُمّة وهي تعلم أنّ الحاكم لا حقّ له فحينئذ يبقى الأمل
__________________
(١) أعيان الشيعة ٤ / قسم أول / ١٨٣ ـ ١٨٤.