في التغيير حيّاً نابضاً ، وتبقى الثورة مشتعلة في النفوس ، وحينئذ يكون للثائرين مجال للعمل ؛ لأنّ التربة مُعدّة للثورة.
وكان على الحسين عليهالسلام وحده أن ينهض بهذا الدور. لقد كانت الثورة قدره المحتوم ، أمّا الآخرون الذين أبوا البيعة ليزيد فلم يكن لهم عند المسلمين ما للحسين عليهالسلام من المنزلة وعلوّ الشأن ؛ أمّا ابن عمر فسرعان ما سلّم قائلاً : «إذا بايع الناس بايعت» (١) ؛ وأمّا ابن الزبير فقد كان الناس يكرهونه ويتّهمونه في إبائه البيعة بأنّه يريد الأمر لنفسه ؛ فلم تكن دوافعه دينية خالصة ، وإنّما كان يدفعه الطمع الخلافة ، وما كان الناس يرونه لذلك أهلاً.
ذكر ابن كثير في البداية والنهاية أنّ الحسين عليهالسلام لمّا خرج وابن الزبير من المدينة إلى مكة ، وأقاما بها ، «عكف الناس على الحسين يفدون إليه ، ويقدمون عليه ، ويجلسون حواليه ، ويستمعون كلامه ، وينتفعون بما يسمع منه ، ويضبطون ما يروون عنه» (٢). ومغزى هذا الخبر بيّن فقد اتّجهت أنظار الناس إلى الحسين عليهالسلام وحده فانقطعوا إليه ، وهذا يدلّك على مركزه في نفوس المسلمين إذ ذاك. قال أبو الفرج الأصفهاني :
«إنّ عبد الله بن الزبير لم يكن شيء أثقل عليه من مكان الحسين بالحجاز ، ولا أحبّ إليه من خروجه إلى العراق ؛ طمعاً في الوثوب بالحجاز ، وعلماً منه بأنّ ذلك لا يتمّ له إلاّ بعد خروج الحسين» (٣).
وكان الحسين عليهالسلام يعي هذا أيضاً ، فقد قال يوماً لجلسائه :
«إنّ هذا ـ يعني ابن الزبير ـ ليس شيء يؤتاه من
__________________
(١) الطبري : / ٢٥٤ ، والكامل ٣ / ٢٦٥ ، والبلاذري : أنساب الأشراف ٤ / قسم ثان / ١٤.
(٢) البداية والنهاية.
(٣) مقاتل الطالبيين والبلاذري ٤ / قسم ثان / ١٣ ـ ١٤ والشيخ المفيد : الارشاد / (طبع النجف ١٩٦٢) ص ٢٠٢.