الدنيا أحبّ إليه من أن أخرج من الحجاز إلى العراق ، وقد علم أنّه ليس له من الأمر شيء معي ، وأنّ الناس لم يعدلوه بي ، فودّ أنّي خرجت منها لتخلو له» (١).
وقال عبد الله بن عباس له وهو يحاوره في الخروج إلى العراق :
«لقد أقررت عين ابن الزبير بتخليتك إيّاه والحجاز ، والخروج منها ، وهو اليوم لا ينظر إليه أحد معك» (٢).
كلّ هذا يكشف عن مدى تعلّق جماهير المسلمين بالحسين عليهالسلام باعتباره رجل الساعة. ويقيناً لو أنّه بايع يزيد لما كان لابن الزبير وأضرابه وزن في المعارضة ؛ لأنّهم حينئذ ما كانوا ليجدوا أنصاراً على ما يريدون.
وإذاً ، فقد وجد الحسين عليهالسلام نفسه وجهاً لوجه أمام دوره التاريخي ؛ الحكم الاُموي بكلّ ما فيه من فساد وانحطاط ورجعية وظلم ، والاُمّة المسلمة بذلّها وجوعها وحرمانها ومركزه العظيم في المسلمين ، كلّ ذلك وضعه وجهاً لوجه أمام دوره التأريخي ، وخطّط له المصير الذي يتحتّم عليه أن يضعه لنفسه ، وعند ذلك أعلن ثورته بهذه الكلمات التي مرّت عليك ، وقد أجمل فيها أسباب هذه الثورة ؛ التهتك ، والتطاول على الدين ، والاستهتار بحقوق الشعب ، هذه هي أسباب ثورة الحسين عليهالسلام :
ويبدو أنّ يزيد بن معاوية أراد أن يخنق ثورة الحسين عليهالسلام قبل اشتعالها ، وذلك باغتياله في المدينة. وقد وردت إشارتان إلى ذلك في كتاب أورده اليعقوبي في تأريخه (٣) من ابن عباس إلى يزيد بن معاوية صريحتان في الدلالة على أنّ يزيد دسّ رجالاً ليغتالوا الحسين عليهالسلام في المدينة قبل مغادرته إيّاها إلى العراق.
ولعلّ هذا ما يكشف لنا عن سبب خروج الحسين عليهالسلام من المدينة بصورة سرّية.
__________________
(١) و (٢) الطبري ٤ / ٢٨٨ ، والكامل ٣ / ٢٧٦ ، وأنساب الأشراف ٤ / ١٤.
(٢) أحمد بن أبي يعقوب : تأريخ اليعقوبي ، طبع النجف ١٣٨٤ ـ ١٩٦٤ ، ج ٢ / ٢٣٤ ـ ٢٣٦.