إذا ما الموتُ رفّعَ عن اُناسٍ |
|
كلاكلَه أناخَ بآخرينا |
فأفنى ذلكمْ سرواتُ قومي |
|
كما أفنى القرونَ الغابرينا |
فلو خلدَ الملوكُ إذاً خلدنا |
|
ولو بقي الكرامُ إذاً بقينا |
فقل للشامتينَ بنا أفيقوا |
|
سيلقى الشامتونَ كما لقينا» (١) |
في هذه الخطبة حدّثهم الحسين عليهالسلام عن أنفسهم ، وعن واقعهم ، وعن زيف حياتهم. حدّثهم كيف أنّهم استصرخوه على جلاّديهم ثمّ انكفؤوا مع هؤلاء الجلاّدين عليه. هؤلاء الجلاّدون الذين لم يسيروا فيهم بالعدل وإنّما حملوهم على ارتكاب الحرام في مقابل عيش خسيس. خسيس في نفسه ، قليل دون الكفاية ، خسيس لأنّه يعمل على مدّ الأجل بحياة حقيرة ذليلة ، خسيس باعتباره أجراً لعمل خسيس. وحدّثهم عن مواقفهم المتكرّرة من الحركات الإصلاحية ، إنّهم دائماً يُظهرون العزم على الثورة والرغبة فيها ، يُظهرون العزم على تطوير واقعهم السيِّئ حتّى إذا جدّ الجدّ انقلبوا جلاّدين للثورة بدل أن يكونوا وقوداً لها. حدّثهم عن أعدائه باعتبارهم أعدائهم أيضاً ، ولكنّهم يُزيّفون حياتهم بأيديهم ، يُحاربون محرّريهم ، مَنْ يعلمون أنّهم المحرّرون. مع مَنْ؟ مع أعدائهم مُذلّيهم وظالميهم.
هذه الخطبة ، بهذا الاُسلوب الثائر ، وبما فيها من تقريع ، وبما فيها من فضح لهم ، كانت ملائمة تمام الملاءمة للجو النفسي السائد آنذاك على الجيش الاُموي. إنّ محاربي ذلك الجيش كانوا على علم بمَنْ يُحاربون ، فأراد أن يُشعرهم بفداحة الإثم الذي يُقارفونه ، وعظم الأمر الذي يُحاولونه ، وأراد أن يُسمع المجتمع الإسلامي ـ هذا المجتمع الخاضع ـ صوته المدوّي. وبهذا اللون من البيان جعل الحسين عليهالسلام من كلّ مسلم بركاناً مدمّراً على أهبة الانفجار.
__________________
(١) أعيان الشيعة ٤ / قسم أول / ١٥٥ ـ ١٦٠.