حرج ، ليس عليه منّا ذمام. فتفرّق عنه الناس تفرّقاً ، فأخذوا يميناً وشمالاً حتّى بقي في أصحابه الذي جاؤوا معه من المدينة ، وإنّما فعل ذلك لأنّه ظنّ إنّما اتّبعه الأعراب لأنّهم ظنّوا أنّه يأتي بلداً قد استقامت طاعة أهله ، فكره أن يسيروا معه إلاّ وهم يعلمون علامَ يقدمون. وقد علم أنّهم إذا بيّن لهم لم يصحبه إلاّ مَنْ يريد مواساته والموت معه» (١). وأجاب مَنْ نصحه بالرجوع إلى مأمنه من منزله ذاك بعد أن تبيّن له الأمر ، فقال له : «يا عبد الله ، إنّه ليس يخفى عليّ أنّ الرأي ما رأيت ، ولكنّ الله لا يُغلب على أمره» (٢).
* * *
هذه النُذر كلّها تشير إلى أنّه كان عالماً بالمصير الذي ينتظره. وإذاً فليس لنا أن نبحث عن أهداف ثورة الحسين عليهالسلام ونتائجها في الاستيلاء على مقاليد الحكم والسلطان ؛ لأنّه لم يستهدف من ثورته نصراً آنيّاً ، ولأنّه كان مُدركاً لاستحالة الحصول على نصر آني. وقد يبدو لنا هذا غريباً جدّاً ، فكيف يسير إنسان إلى الموت مع طائفة من أخلص أصحابه طائعاً مختاراً ، وكيف يُحارب في سبيل قضية يعلم أنّها خاسرة ، وكيف يمكّن لعدوّه من نفسه هذا التمكين؟ هذه علامات استفهام كثيرة نبحث عن أجوبتها.
والذي اعتقده هو أنّ وضع المجتمع الإسلامي إذ ذاك كان يتطلّب القيام بعمل انتحاري فاجع يلهب الروح النضالية في هذا المجتمع ، ويتضمّن أسمى مراتب التضحية ونكران الذات في سبيل المبدأ ؛ لكي يكون مناراً لجميع الثائرين حين تلوح لهم وعورة الطريق ، وتضمحلّ عندهم احتمالات الفوز ، وتُرجّح عندهم إمارات الفشل والخذلان.
__________________
(١) و (٢) الطبري : / ٣٠٠ ـ ٣٠١ ، والكامل ٣ / ٢٧٨.