وأجاب الفرزدق حين قال له : قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني اُميّة :
«صدقت ، لله الأمر ، والله يفعل ما يشاء ، وكلّ يوم ربّنا في شأن. إن نزل القضاء بما نحبّ فنحمد الله على نعمائه ، وهو المستعان على أداء الشكر ، وإن حال القضاء دون الرجاء فلم يعتد مَنْ كان الحقّ نيّته ، والتقوى سريرته» (١).
وورد إليه كتاب عمر بن سعيد بن العاص عامل المدينة يُمنّيه في الأمان والصلة ، والبرّ وحسن الجوار ، وأرسله إليه مع أخيه يحيى بن سعيد وعبد الله بن جعفر ، فجهدا أن يرجع فلم يفعل ، ومضى وهو يقول :
«قد غسلت يدي من الحياة ، وعزمت على تنفيذ أمر الله».
وهكذا ما نزل منزلاً إلاّ ولقي مَنْ ينصحه بعدم الخروج إلى العراق ، ويذكر له من أنباء أهله ما يكشف عن خذلانهم له وانكفائهم عليه ، حتّى أتاه خبر قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة وهو بالثعلبية ، فأهاب به بعض أصحابه بالرجوع فأبى ، فلمّا كان بزُبالة (٢) أتاه خبر قتل أخيه من الرضاعة عبد الله بن يقطر (٣) ، فخرج حينذاك إلى مَنْ صحبه من الناس وقال :
«أمّا بعد ، فإنّه قد أتاني خبر فظيع قتل مسلم بن عقيل ، وهانئ بن عروة ، وعبد الله بن يقطر ، وقد خذلنا شيعتنا ، فمَنْ أحبّ منكم الانصراف فلينصرف في غير
__________________
(١) الطبري ٤ / ٢٩٠ والكامل ٣ / ٢٧٦.
(٢) زبالة : موضع بطريق مكة.
(٣) عبدالله بن يقطر : رضيع الحسين ، كان أحد رسله إلي الكوفة. قبض عليه عبيدالله بن زياد ، ورمي به من فوق القصر فتكسر ، وقام إليه عمرو الأزدي فذبحه ، ويقال : بل فعل ذلك عبدالملك بن عمير اللخمي.