كلّ هذا جعل المجتمع الإسلامي يقف ضدّهم ؛ ولذلك فلم تكن ثوراتهم المُتكررة لتُحطّم الإطار الديني الذي أحاط به الاُمويّون سلطانهم.
لقد كان أضمن السبل لتحطيم هذا الإطار الديني هو أن يثور عليه رجل ذو مركز ديني مسلّم به عند الاُمّة المسلمة بأسرها ؛ فثورة مثل هذا الرجل كفيلة بأن تفضح الزخرف الديني الذي يتظاهر به الحكّام الاُمويّون ، وأن تكشف هذا الحكم على حقيقته وجاهليّته وبُعده الكبير عن مفاهيم الإسلام. ولم يكن هذا الرجل إلاّ الحسين عليهالسلام ؛ فقد كان له في قلوب المسلمين جميعاً رصيد من الحبّ والإجلال عظيم ، وقد رأيت مصداق ذلك عند الحديث عن إقامته في مكة ، ثمّ عند الحديث عن خروجه منها إلى العراق.
كان هو الرجل الوحيد الذي يستطيع أن يفضح الحكّام الاُمويِّين ويكشف حقائقهم. وقد وضع موقف الاُمويِّين من ثورة الحسين عليهالسلام خطّاً فاصلاً بين الدين الإسلامي والحكم الاُموي ، وأظهر هذا الحكم بمظهره الحقيقي وكشف زيفه.
فالاُمويّون الذين لم يرضوا من الحسين عليهالسلام إلاّ بالقتل ، قتله وقتل آله آل علي وآل عقيل وأبنائهم ، وقتل طائفة من صفوة أصحابهم تُقىً وديناً وحرصاً على مصلحة المسلمين ، ثمّ منعهم الماء عنهم حتّى قتلوهم عطشاً ، وفيهم الطفل الرضيع والمرأة المرضع ، ثمّ ما فعلوه بعد ذلك من رضّ أجسادهم بحوافر الخيل ، وسبي بنات النبوّة على الوجه المعروف ، حاسرات بلا غطاء ولا وطاء ، ونقل رؤوس القتلى مع السبايا من كربلاء إلى الكوفة إلى الشام ، كلّ ذلك جرّد الاُمويِّين من كلّ صبغة دينية وإنسانيّة ، بل جعلهم ضدّ الدين والإنسانيّة لقد كانت الرؤوس والسبايا ، وأحاديث الجنود العائدين دلائل حيّة بليغة الأداء ، تعمل على تقويض كلّ ركيزة دينية للحكم الاُموي في نفوس المسلمين.
* * *