ولقد زاد الحسين عليهالسلام حراجة مركزهم حين لم يصرّ على القتال ، لقد طلب من الحرّ بن يزيد ـ وهو أوّل قائد اُموي واجه الحسين عليهالسلام بألف مُحارب ـ أن يتركه ليرجع من حيث أتى ، فلم يُجبه الحرّ غلى ذلك ، وكانت الأوامر تقضي عليه ألاّ يُفارق الحسين عليهالسلام حتّى يُقدمه الكوفة إلى ابن زياد. ومن نافلة القول أن نذكر أنّ الحسين عليهالسلام رفض ذلك (١).
حتّى إذا قدم عمر بن سعد قائد الجيش الاُموي فاوضه الحسين عليهالسلام طويلاً ، وأقنعه بأن يُمسك الطرفان عن القتال ويرجع الحسين من حيث أتى ، أو يذهب إلى حيث يريد من بلاد الله. وكتب عمر بن سعد إلى عبيد الله بن زياد فأبى ابن زياد ذلك ، وكتب إليه :
«أمّا بعد ، فإنّي لم أبعثك إلى الحسين لتكفّ عنه ، ولا تطاوله ولا لتُمنيه السلامة والبقاء ، ولا لتقعد له عندي شافعاً. انظر : فإن نزل حسين وأصحابه على الحكم واستسلموا فابعث بهم سلماً ، وإن أبوا فازحف إليهم حتّى تقتلهم وتُمثّل بهم ؛ فإنّهم لذلك مستحقّون. فإن قُتل الحسين فأوطئ الخيل صدره وظهره ؛ فإنّه عاقّ مُشاق ، قاطع ظلوم ، وليس في هذا أن يضرّ بعد الموت شيئاً ، ولكن عليّ قول لو قد قتلته فعلت هذا به» (١).
لقد أعطاهم الحسين عليهالسلام فرصة يتّقون بها ارتكاب قتله وقتل آله وصحبه ، ولكنّهم أبوا إلاّ القتل ، وأصروا عليه ، فزادهم ذلك فضيحة في المسلمين.
وأغتنم هذه المناسبة هناك فأقول : يتحدّث بعض المؤرّخين عن أنّ الحسين عليهالسلام قال لابن سعد : اذهب بي إلى يزيد أضع يدي في يده. والذي نقطع به هو أنّ الحسين عليهالسلام لم يقل هذا ، ولو أراد ذلك لما صار إلى حالته
__________________
(١) الطبري ٤ / ٣٠٣ ـ ٣٠٤ ، والكامل ٣ / ٢٨٠.
(٢) الطبري ٤ / ٣١٤ ، والكامل ٣ / ٢٨٤.