كان من البيّن فشلها قبل اشتعالها ؛ فقد كان سببها هو الرغبة في الانتقام ، هو تلبية هذا الدّاعي العاطفي ، وعندما يقع الإنسان تحت وطأة موقف عاطفي طاغ تغيب عنه احتمالات الفشل والنجاح. وممّا لا ريب فيه أنّ هذا العامل النفسي جعل موقف المسلمين من الحكم الاُموي أكثر إيجابية وحرارة ، وأسبغ عليه صفة انتقامية ، وجعله عاملاً يحسب له حساب عند الحاكمين. إنّ الموقف العقلي فقط يُمكن السيطرة عليه والتشكيك فيه بأساليب كثيرة ، أمّا حين يكون الموقف عاطفياً فإنّ الأمر يختلف تماماً ؛ وذلك لأنّ العاطفة الصادقة تمتاز بالاشتعال والفوران والديمومة ، ورفض وجهات النظر المقابلة ، ولقد كان الشعور بالإثم عند هؤلاء المسلمين عميقاً وصادقاً.
* * *
ولقد قدّر لبقية آل البيت عليهمالسلام أن تُلهب هذا الشعور بالإثم ، وأن تزيده حدّة وحرارة. هذه زينب بنت علي عليهاالسلام وقفت في أهل الكوفة ، وقد احتشدوا يحدقون في موكب الرؤوس والسبايا ويبكون ، فأشارت إليهم أن اسكتوا ، فسكتوا ومضت تقول :
«أمّا بعد يا أهل الكوفة ، أتبكون! فلا سكنت العبرة ، ولا هدأت الرنّة ، إنّما مثلكم مثل التي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثاً ، تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم ، ألا ساء ما تزرون!
أي والله ، فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً ، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ، فلن ترحضوها بغسل أبداً ، وكيف ترحضون قتل سبط خاتم النبوّة ، ومعدن الرسالة ، ومدار حجّتكم ، ومنار محجتكم ، وهو سيّد شباب أهل الجنّة؟!