فاستجاب لهم ناس كثير بعد هلاك يزيد أضعاف مَنْ كان استجاب لهم قبل ذلك. وخرجوا يشترون السلاح ظاهرين ، ويجاهرون بجهازهم وما يصلحهم.
حتّى إذا كانت ليلة الجمعة لخمس مضين من شهر ربيع الآخر سنة خمس وستين خرجوا وتوجّهوا إلى قبر الحسين عليهالسلام ، فلمّا وصلوا إليه صاحوا صحية واحدة فما رُئي يوم أكثر باكياً منه ، وقالوا :
«يا ربّ ، إنّا قد خذلنا ابن بنت نبيّنا فاغفر لنا ما مضى وتب علينا إنّك أنت التواب الرحيم ، وارحم حسيناً وأصحابه الشهداء الصدّيقين ، وإنّا نُشهدك يا ربّ إنّا على مثل ما قُتلوا عليه ، فإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين».
وغادروا القبر مُستقتلين ، فقاتلوا جيوش الاُمويِّين حتّى اُبيدوا جميعاً (١).
ولقد اعتبر التوابون أنّ المسؤول الأول والأهم عن قتل الحسين عليهالسلام هو النظام وليس الأشخاص ، وكانوا مُصيبين في هذا الاعتقاد ؛ ولذا نراهم توجّهوا إلى الشام ولم يلقوا بالاً إلى مَنْ في الكوفة من قتلة الحسين عليهالسلام.
ونلاحظ هنا أنّ هذه الثورة قد انبعثت عن شعور بالإثم والندم وعن رغبة في التكفير ، فمَنْ يقرأ أقوالهم وكتبهم وخطبهم يلمس فيها الشعور العميق بالإثم والندم والرغبة الحارة في التكفير ، وكونها صادرة عن هذه البواعث جعلها ثورة انتحارية استشهادية ؛ فالثائرون هنا يريدون الانتقام والتكفير ولا يستهدفون شيئاً آخر وراء ذلك ، فلا يريدون نصراً ولا ملكاً ولا مغانم ، وإنّما يريدون انتقاماً فقط ، وقد خرجوا من ديارهم وهم على مثل اليقين بأنّهم لا يرجعون إليها ، كانوا يريدون أن يموتوا ، ولقد بُذل لهم الأمان فلم
__________________
(١) سجل الطبري ثورة التوابين في ٤ / ٤٢٦ ـ ٤٣٦ و ٤٤٩ ـ ٤٧٣.