وبقيت مستترة تعبّر عن نفسها دائماً في انفجارات ثورية عاصفة ضدّ الحاكمين مرّة هنا ومرّة هناك. وكانت الثورات تفشل دائماً ولكنّها لم تخمد أبداً ؛ لأنّ الرّوح النضالية كانت باقية تدفع الشعب المسلم إلى الثورة دائماً ، إلى التمرّد ، وإلى التعبير عن نفسه قائلاً للطغاة : إنّي هنا.
حتى جاء العصر الحديث وتعدّدت وسائل إخضاع الشعوب ، وحُكم الشعب المسلم بطغمة لا تستوحي مصالحه ، وإنّما تخدم مصالح آخرين ، ومع ذلك لم يهدأ الشعب ولم يستكن ، ولم تفلح في إخضاعه وسائل القمع الحديثة ، وإنّما بقي ثائراً معبّراً عن إنسانيته دائماً بالثورة ، بالدم المسفوح. وهكذا أثبتت الاُمّة الإسلاميّة وجودها ولم يجرفها التاريخ ، وإنّما بقيت لتصنع التاريخ.
هذا صنيع ثورة الحسين عليهالسلام. لقد كانت هذه الثورة رأس الحرية في التطوّر. إنّ الأفكار والمشاعر والرّوح التي خلقتها هذه الثورة ، والتي نمّتها وأثرتها الثورات التي جاءت بعدها ، والتي هي امتداد لها ، هي التي صنعت تاريخ الكفاح الدامي من أجل التحرر لهذه البقعة من العالم.
ولا ندري تماماً ماذا كان سيحدث لو لم يقم الحسين عليهالسلام بثورته هذه.
غير إنّنا نستطيع أن نحدس ذلك الآن ؛ لقد كان يحدث أن يستمر الحكم الاُموي دائماً نفسه بالدجل الديني ، وبفلسفة التواكل والخنوع والتسليم. وكان يحدث أن تستحكم هذه الفلسفة وهذا الجدل الديني في الشعب فيطأطئ دائماً لحاكميه ، ويستكين الحاكمون لموقف الشعب منه فيلهون ، ويضعفون عن القيام بأعباء الحكم وصيانة الدولة ، ويغرقون في اللهو والترف. وعاقبة ذلك هي الانحلال ، انحلال الحاكمين والمحكومين ، وكان يحدث أن يكتسح البلاد الفاتحون ، فلا يجدون مقاومة ولا نضالاً بل يجدون انحلالاً من الحاكمين والمحكومين ، ثم يجرف التاريخ اُولئك وهؤلاء.