ومضر وبين الأوس والخزرج بما تضمّن من تفضيل سائر مضر على سائر ربيعة ، وتفضيل الأوس على الخزرج. ونظن أن هذا المبدأ قد أرسى أوّل أساس من أسس الصراع العنصري بين المسلمين العرب وغيرهم من المسلمين بما جرى عليه عمر من تفضيل العرب على العجم ، والصّريح على المولى.
وكأنّ عمر قد أدرك في آخر أيّامه الأخطار السياسيّة والاجتماعيّة التي يؤدّي إليها مبدؤه هذا ، ولعلّه رأى بعض الآثار الضّارة التي خلّفها هذا المبدأ في حياة المسلمين ، ومنها هذه الظاهرة التي دلّت على تسرّب روح التحزّب والانقسام إلى مجتمع المدينة ، والتي لاحظها عمر وحذّر منها بقوله :
«بلغني أنّكم تتّخذون مجالس ، لا يجلس اثنان معاً حتّى يُقال : من صحابة فلان ، من جلساء فلان ، حتّى تُحُوميت المجالس. وأيم الله إنّ هذا لسريع في دينكم ، سريع في شرفكم ، سريع في ذات بينكم ...» (١).
ولذلك أعلن عزمه على الرجوع إلى المبدأ النبويّ في العطاء فقال :
«إنّي كنت تألّفت الناس بما صنعت في تفضيل بعض على بعض ، وإن عشت هذه السّنَة ساويت بين الناس فلم أفضّل أحمر على أسود ، ولا عربياً على أعجمي ، وصنعت كما صنع رسول الله وأبو بكر» (٢).
ولكنّ عمر قُتل قبل أن يرجع عن هذا المبدأ ، فجاء عهد عثمان وسار عليه ، فظهرت آثاره الضّارة في الحياة الإسلاميّة ، وكان من أهم العوامل التي مهّدت للفتنة بين المسلمين.
__________________
(١) الطبري ٥ / ٢٥ في أحداث سنة ثلاث وعشرين.
(٢) تأريخ اليعقوبي ٢ / ١٠٧ ، شرح نهج البلاغة (بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم) ٢ / ١٣١ ـ ١٣٢ ، ابن الطنطقي في الفخري : ٧٣.