يناظرهم في فضل قريش وتقدّمها على سائر المسلمين ، فلمّا أنكروا عليه ذلك نفاهم إلى الجزيرة ـ وأميرها من قبل معاوية عبد الله بن خالد بن الوليد المخزومي ـ فأذلّهم ، وأظهر لهم سيادة قريش بامتهانه لهم ، وتحقيره لشأنهم ، وحطّه من مقامهم وفي مصر قسا عبد الله بن سعد في جباية الخراج ، فظلم وأسرف في الظلم ، ثمّ أظهر من العصبيّة لقريش ما أثار غير قريش من العرب المسلمين ودفعهم إلى أن يشكوه إلى عثمان ، فلمّا كتب إليه عثمان يأمره بالإقلاع عمّا هو عليه عدا على الشهود فعاقبهم ، وضرب رجلاً منهم حتّى قتله.
ولم يكن ولاة عثمان هؤلاء من ذوي السابقة في الدين والجهاد في الإسلام ، وإنّما كانوا متّهمين في دينهم ، بل كان فيهم من أمره في الفسق ورِقّة الدين معروف مشهور. كان فيهم عبد الله بن سعد الذي بالغ في إيذاء النبي صلىاللهعليهوآله والسُّخر منه ، وبالغ في الهُزء بالقرآن حتّى نزل القرآن بكفره ، والوليد بن عقبة ممّن أمره في الفُسق معروف مشهور ، وقد نزل فيه قرآن يُعلن فسقه.
وكان المُسلمون ـ أعيانهم وعامّتهم ـ يُراجعون عثمان في شأن هؤلاء الولاة من أقاربه ، ويطلبون منه عزلهم فلا يعزلهم ، ولا يسمع فيهم أيّة شكوى إلاّ كارهاً.
هذه السياسة التي سلكها عثمان في الولايات أثارت عليه وعلى عهده موجة عامّة من السّخط بين المسلمين ؛ لِما رأوه فيه من عصبية قبلية يمارسها هو وولاته من قريش.
وأثارت عليه سخط المسلمين والمعاهدين من غير العرب ؛ لِما عوملوا به من امتهان وقسوة من قبل ولاته وعمّاله.
وأثارت عليه سخط الصحابة ؛ لأنّه ولّى أمور المسلمين وأموالهم وأبشارهم هؤلاء الغُلمة القرشيين الذين لا يحترمون الدين ولا يأبهون له ،