جميعاً كانت توجد معارضة أخرى مدفوعة بأسباب مُغايرة ، وتستهدف نتائج مُغايرة. وقد رأى زعماء هذه المعارضة في فساد الأوضاع العامّة ، وشيوع التذمّر والنقد فرصة يستغلّونها لاستعجال نهاية عهد عثمان التي تُمكّنهم من الوصول إلى مآربهم ، فأخذوا يُساهمون في نشر رُوح التذمّر وتعميقها.
وقد مكّن عثمان بسياسته الإدارية لهذه الطائفة من معارضيه أسباب القوّة والنفوذ ؛ وذلك حين أطلق لها أن تُنمي ثرواتها إلى أبعد مدى بإجرائه الذي قدّمنا الحديث عنه في الأراضي ، وتكوين الإقطاعات الضّخمة ، وحين أطلق لها أن تُغادر المدينة إلى البلاد المفتوحة ؛ حيث راح أفرادها يستكثرون لأنفسهم من الأموال ، ويستكثرون من الأتباع ، ويُمنّون أنفسهم بالوصول إلى الخلافة ، ويمنّيهم بذلك أتباعهم وقبائلهم.
وقد أشار الطبري في أحداث سنة خمس وثلاثين إلى هذه الحقيقة فقال :
«كان عمر بن الخطّاب قد حجر على أعلام قريش من المهاجرين الخروج في البلدان إلاّ بإذن وأجل (١).
فلمّا ولي عثمان لم يأخذهم بالذي كان يأخذهم به عمر ، فانساحوا في البلاد ، فلمّا رأوها ورأوا الدنيا ورآهم الناس انقطع مَنْ لم يكن له طول ولا مزية في الإسلام فكان مغموراً في الناس ، وصاروا أوزاعاً إليهم ، وأمّلوهم وتقدّموا في ذلك ، فقالوا يملكون فنكون قد عرفناهم ، وتقدّمنا في التقرّب والانقطاع إليهم ، فكان ذلك أوّل وهن دخل على الإسلام ، وأوّل فتنة كانت في العامّة ليس إلاّ ذلك» (٢).
__________________
(١) قال عمر لمّا استأذنه الزبير بن العوام في الغزو «ها إنّي ممسك بثياب هذا الشعب أن يتفرّق أصحاب محمد في الناس فيُضلّوهم» شرح نهج البلاغة ٢٠ / ٢٠.
(٢) الطبري ٥ / ١٣٤.