لقد كانت جماهير المحاربين هي مادة الثورة ، أمّا وقودها فهو تصرّفات عثمان وولاته وآل بيته ، وأمّا الذي أجّجها فهم أصحاب المصلحة فيها. هم هؤلاء الزعماء الذين أوتوا من الطموح ما جعل الخلافة هدفهم ، ومن المال والمنزلة الدينية ما مكّنهم من جمع الأنصار حولهم ، ومن سوء الأوضاع ما سهّل عليهم أن يعدّوا الناس بخير ممّا هم فيه.
* * *
وقد تمخّضت هذه الملابسات والظروف السيئة عن حركة عامّة ، إن فقدت النظام بالمعنى الحزبي الدقيق ، فإنّها لم تفقد وحدة الأفكار الدافعة ، والأهداف المشتركة.
وقد سلك عثمان وبطانته من الاُمويِّين والمنتفعين تجاه هذه الحركة سلوكاً بعيداً عن الحكمة والعدل ؛ فبدلاً من أن تُجاب مطالب الثوّار رُدوا بعنف ، واستُهين بهم ، وجوبهوا بسياسة قاسية هي هذه السياسة التي تمخّض عنها مؤتمر عثمان مع عمّاله على الأمصار ، والتي قدّم لنا الطبري صورة عنها :
«... فقال له عبد الله بن عامر : رأيي يا أمير المؤمنين أن تأمرهم بجهاد يشغلهم عنك ، وأن تُجمرهم في المغازي حتّى يذلّوا لك ، فلا يكون همّة أحدهم إلاّ نفسه ، وما هو فيه من دُبرة دابته ، وقمّل فروه ... فردّ عثمان عمّاله على أعمالهم ، وأمرهم بالتّضييق على مَنْ قبلهم ، وأمرهم بتجمير (١) الناس في البعوث ، وعزم على تحريم (٢) اُعطياتهم ؛ ليطيعوه ويحتاجوا إليه» (٣).
__________________
(١) جمر الناس : جمعهم. وجمر الجيش : حبسهم في أرض العدو ولم يقفهم (قاموس). انظر : لسان العرب ٤ / ١٤٦. يريد عثمان من عمّاله أن يجمعوا الناس في البعوث العسكرية الطويلة الأمد ، لا يردّوهم إلى أوطانهم.
(٢) حرم : منع.
(٣) انظر : تأريخ الطبري ٣ / ٣٧٣ ـ ٣٧٤.